حسناً هاهو القصر الأزرق الرهيب يجثم كوحش أسطوري على ساحل الخليج، إنه ذات القصر الذي كان سيده يرعب الأمراء والوزراء وشيوخ الخليج وزعماء القبائل في كل الصحارى العربية، وإنه ذات السيد الذي كان بعد الله -والعياذ بالله من شره وشروره- يذل من يشاء ويعزّ من يشاء أثناء جبروته وسطوته وسيادته التي لا تغرب عنها الشمس. إنه الآمر الناهي في كل المنطقة العربية وليس بمقدور أي كان أن ينبس ببنت شفة حينما يتخذ قراراته الصارمة في زمنه الذهبي لأنه السيد المطلق الذي حملته البحار من أقاصي المعمورة ليحكم بالحديد والنار إمارات مهلهل وقبائل مقتتلة وقرى لا رابط بينها سوى العداوات والثارات وعواصم تصفر فيها الرياح بعد أن أخلاها سلفه الذي لا يقل بشاعة عنه.
***
حسناً إنه ذات القصر وما عليك أيها الصعلوك البدوي سوى أن تتسلل إليه مهما كان الثمن، بل عليك أن تتربع في غرفة نوم سيدة القصر فأي فكرة مجنونة قاتلة اعترتك أيها المخبول وأنت تعرف أن أعتى الرجال ترتعد فرائصهم لمجرد ذكر سيد القصر؟! ولكنك صممت ولو كان دون ذلك الموت الزؤام. إذن ها أنت تقترب من الباب وأنت تتمنى أن تكون قد ارتديت بدلة الإخفاء التي اخترعوها مؤخراً ولكنها لم تنزل للأسواق، حسناً ها أنت تلج الباب فتلقي نظرة على المصطبة التي يجلس فوقها زعماء القبائل والقرى والذين تسمروا في هذا المكان منذ شهر ولم يحظ منهم أحد بمقابلة السيد الصارم المطاع، لكنك لم تأبه بهم بل دلفت إلى الداخل كأنما لم يرك أحد على الإطلاق، هاهي الصالة التي يجلس فيها يدخن الغليون ويضع ساقاً على ساق، وهاهي رائحة التبغ الإنجليزي النفاذ تملأ البهو.
حسناً اقترب لا أحد، تعبر من الصالة إلى المكتب الضخم الذي كانت تصدر منه أخطر القرارات في التاريخ، تقع عينك على التليفون، تصاب برعب شديد وأنت تتساءل هلعاً: ماذا لو رّن الهاتف وخرج إليك الصوت من قرن مضى وقال: من هنا وكيف جرؤت أيها اللص البدوي الصغير على أن تصل إلى هذا المكان؟! تذكرت المدافع المصوبة للبحر، والبواخر العملاقة التي ترفع العلم أمام القصر، ثم أخذت أسنانك تصطك من الرعب ولكنك شددت عليها وواصلت المسير، حسناً ها أنت قد وصلت إلى غرفة السيدة (فيوليت) ولكن لم يكن في الغرفة أحد لأنها ماتت منذ عام 1990م وكان سيد القصر قد غادره بل وغادر الحياة إلى عالم الموت قبلها بعقود كثيرة وكل ما تبقى منه صورة على الحائط كتبت تحتها اللفتنانت كولونيل هارولد ريتشارد باتريك ديكسون الوكيل السياسي البريطاني في الكويت 1929-1959 أما صورة سيدة القصر فكتب تحتها فيوليت بنيو لوب ديكسون 1929-1990 جلست في قصر ديكسون تأملت مرابط الخيل وغرف الخدم والباحة والمصاطب والمدرج الخشبي الذي كان يصعده، ومن ذات الشرفة التي تطل إلى البحر كان أمامك قصر السيف العامر لأمير الكويت الحالي الشيخ صباح الأحمد الصباح وكانت تعلو مدخله العبارة الجميلة الآتية (لو دامت لغيرك ما وصلت إليك).