لو أنّ دراسة طبية جرت للإعلاميين السعوديين، لتبين منها ألا أحد منهم سليماً من أمراض المهنة، تلك التي تظهر أثناء فترة العمل، وتعتمد على إعمال الذهن، ولتبين أن من بينهم من هو مصاب بمرض السُّكر ومضاعفاته، أو ضغط الدم، أو القلب، أو القولون العصبي، وسجلات بعض الإعلاميين السعوديين تُثبت أنّ منهم من مات
وراتبه التقاعدي لا يكفي لتأمين حاجات أسرته، ناهيك عما تنفقه على المأكل، والمشرب، والملبس، والماء، والكهرباء والهاتف، وأعرف منهم من لا يجد ثمن دوائه، ومنهم من لزم بيته مقعداً، ومنهم من لا يجد إيجار منزله، ولا أريد أن أذكر أسماءهم فهم كُثر، أصابتهم أمراض المهنة، فليسأل الله مَنْ كان صحيحاً أن يقيه شر أمراض مهنة الإعلام التي تُكبِّله وتُعطِّله.
على مدى أكثر من ثلاثين سنة أمضيتُها في العمل الإعلامي، لا أعرف أن مسؤولاً عن مؤسسة إعلامية سعودية - وكاتب هذه المقالة من بينهم - وضعت استراتيجية ناهيك عن خُطة عملية تستهدف الحفاظ على صحة وسلامة إعلامييها، أو تجمع بيانات ومعلومات عن واقعهم الصحي، أو تطلب من أي جهة معنية بالصحة والسلامة المهنية، وضع معايير ولوائح وتشريعات خاصة بسلامتهم، وصحتهم المهنية، أو هيأت متابعاً صحياً في بيئة العمل، أو قدمت برامج تدريبية وتثقيفية صحية، وهو ما يقلص ولاءهم للمؤسسة التي يعملون فيها، بسبب غياب وسائل الحماية والأمان الوظيفي، وهم معذورون في ذلك، فالمؤسسة التي لا تجري تقييماً صحياً لبيئة عملها، ولا تدرك المخاطر الناجمة عنها، سيدرك العاملون فيها الصباح، ويسكتون عن الكلام المباح!! وفي ذلك ضياع للمؤسسة، وتأثير سلبي على الجوهر والرسالة المنتظرة من الإعلاميين.
كل المؤسسات الإعلامية في المجتمعات المتقدمة، تهتم دوماً بيئة العمل الإعلامي المهني، وأقلها وجود متخصص في الأمراض المهنية، يدرس، ويفحص، ويحلل، ويشخص، إلا أنه من المؤسف ألا يتوافر ذلك في المؤسسات الإعلامية السعودية، بينما حددت منظمة الصحة العالمية، ومكتب العمل الدولي منذ العام 1950م أهداف الصحة المهنية ومن بينها (العمل على تحقيق أعلى درجات اللياقة البدنية، والنفسية، والاجتماعية، للعاملين في كل قطاعات العمل، والمحافظة عليها، وحماية كل من يعملون في أي مؤسسة، من الأخطار الناتجة عن عملهم) وما العمل الإعلامي السعودي إلا واحداً منها.
الإعلاميون عنوانهم العمل، والعمل، والعمل، وأعني بذلك الإعلاميين الذين يتنفسون إعلاماً، ويأكلون إعلاماً، ويشربون إعلاماً، والتحدي الحقيقي يكمن في: حمايتهم، وهي قضية حيوية متصلة بحرية الإنسان (الإعلامي) وخياراته، وحدود تصوراته، وكلها تسهم في تشكيل وعيه، وقناعاته، وأخلاقه، ومعرفته، متزامنة مع نمو وانتشار وسائل الإعلام وتقنيات الاتصال، والإعلاميون المهنيون المحترفون عملهم لا يحدد بساعات، فبعضهم يُعِدُّ الإعلام حلقة غير مفقودة، ولذلك يسعى للبحث عنها والكشف عنها، ويزج بنفسه في أتون الصراع بين الخير والشر، فهل من مؤسسة إعلامية سعودية، تهتم بسلامة وصحة المنضمين إليها مثل: الكشف الطبي الدوري، وعند نهاية الخدمة، والعودة من الإجازة، فهذا أقل المطلوب منها، وأكثره علاجهم من الأمراض المهنية، وإنقاذهم مبكراً من أخطارها، التي تزداد يوماً بعد آخر، ووضع برامج تضمن حماية إعلامييها من أخطار مهنة الإعلام، بصرف النظر عن ألوانهم، أو جنسياتهم، أو أعمارهم، حتى لا يسود الإحباط وتداعياته بينهم.
فاكس: 4543856 الرياض