رُوّع المجتمع الطائفي وفُجع الجميع في المحافظة بخبر غياب أحد رجالها الأخيار ووجهائها الأبرار، ذلكم هو رجل السماحة والندا المرحوم الشيخ حاضر بن عبد الله العريفي الذي لقي وجه ربِّه يوم الأحد الفارط بعد حياة حافلة بالعمل في المجال العام والسعي في مصالح العموم، وقد شهد له الجميع وتبارى المتحدثون مساء الاثنين في مجلس العزاء الذي أقيم في الطائف بالتحدث عن سجاياه وأبرز مزاياه. أصيب -رحمه الله- منذ مدّة بمرضٍ سافر من أجله إلى ديار الغرب والغربة طلباً للاستشفاء وعاد بعد يأس من نطس الأطباء فتأثر محبوه وحزن عارفوه وأصبحوا يتتبعون الأخبار عنه بحذر ويسألون عنه بإلحاف حتى فوجئوا بالخبر تتناقله وسائل الاتصال بينهم ويعزي بعضهم بعضاً وكل منهم يردّد: |
ما زلت تدفع كل أمر فادح |
حتى أتى الأمر الذي لا يُدفع |
مازلت تُفجع بالأحبة بعدهم |
وذهاب نفسك لا أبا لك أفجع |
نعم مضى رجل المكارم والسماحة والندا إلى عفو مولاه ورحمته الواسعة وسارت الجموع خلف الجنازة وزحفت الطائف كلها على مختلف طبقاتها يُعزّي بعضهم بعضاً في فقيدها الكبير، لا أستطيع أن أُحصي وأعدد في هذه الكلمة مآثر الفقيد ومواقفه فقد كان -رحمه الله- جواداً كالريح المُرسلة يدعم المشروعات التنموية في المحافظة والجمعيات الخيرية والمهرجانات السياحية ويشفع في الحالات الاجتماعية، لا يقصده إنسان في أي أمر إنساني يقدر عليه ويرده خائباً، كان رجل موقف - والرجال مواقف - ورجل واجب ليس بينه وبين الناس حاجب. عرفت الفقيد منذ سنين فقد تميَّز بمزايا وصفات أبرزها الوفاء مع الأصدقاء والسخاء في سبيل النفع العام وما ينفع الناس ويمكث في الأرض، سخَّر شركاته في الطرق والمقاولات للمشروعات التعليمية والصحية والطرق وفتح العقبات، تعامل مع الجهات الحكومية والأهلية بيسر ومرونة كل ذلك في سبيل إنجازها وعدم تأخيرها وأدائها على مستوى من التنفيذ الجيد والرفيع. ومن يشاهد المشروعات التي نفذها والطرق التي عبّدها والقرى التي أمدّها يذكُر ذلك ويدعو له بالرحمة والرضوان. |
كان -رحمه الله- بشوشاً في مقابلته للناس طلق المحيّا منفرج الأسارير باسم الثغر لم أره مقطّباً قط رغم الضغوط النفسية والمشكلات العملية التي تمرُّ على أمثاله من رجال الأعمال. |
فاجأني كثيراً أنا والصديق حمّاد السالمي بهاتف في لحظات التجلي يدعونا للقاء، وهكذا طبعه في تفقد الأصدقاء، فكم سمرنا وإياه في ليالي المَصْيف الذي أحَّبهُ وعشِقَهُ وخدمه بتفانٍ وإخلاص. |
وقد حدثني بتأثر بالغ معالي محافظ الطائف ونحن نتبادل العزاء، قال: (كلنا نعزّي بعضنا في صديقنا وفقيدنا الذي كان أوَّل من يتصل بي إذا سمع أن هناك أموراً مهمة تقتضي الإسراع في تنفيذها وإنهائها)، وأضاف: إن له من اسمه نصيب - حاضر - وهو دائماً حاضر، فوا أسفاه لا حاضر اليوم..). |
كان لا يلتفت إلى الوراء عندما يُسند إليه أمر ما، بل يمضي إلى الأمام، وهذه صفة الرجل المقدام وقد عرف المسؤولون وولاة الأمر في بلادنا هذه الطبيعة الكريمة والسجيّة العظيمة في فقيدنا، كانوا يُسندون إليه أصعب المهام وأجّل الأعمال فينهض بها بلا كلل ولا عجز، إنه الرجل الهمام الذي يتصدى لعظائم المهام: |
على قدر أهل العزم تأتي العزائم |
وتأتي على قدر الكرام المكارم |
وتكبر في عين الصغير صغارها |
وتصغر في عين العظيم العظائم |
هكذا يكون الرجال وإلاّ فلا...!! هكذا يكون الوفاء للأوطان والبذل في سبيلها والتضحية من أجلها في الصحّة والوقت والجهد والمال، وقد أجمع المتحدثون مساء الاثنين في الصالة الكبرى لمزرعة شركة الجزيرة على طريق الهدا بالطائف واتفقت مشاربهم على ذلك، ماذا أقول وماذا أدع فالحديث عن الكبار إذا مضوا يطول ويمتد لأنهم عاشوا للوطن والناس ولم يعيشوا لأنفسهم كما يعيش الكثير ممن لا ذكر لهم: |
إن فقد الكبار رزء عظيم |
ليس فقد الرعاع والأرذال |
لم أستطع أن أكتب كلمة في الأيام الأولى لأن حجم الخسارة في الفقيد كبيرة بمساحة التقدير والإعجاب الذي حظي به من كل الناس من مواطنين ومسؤولين. |
لقد مضى الفقيد إلى رحمة الله ولقي وجه مولاه، صُلّي عليه بالمسجد الحرام ودُفن في ضواحي مكة بين تأثّر الجموع ودعاء الجميع، فلا حرمه الله أجر أعماله، تفرق المشيعون وعادوا إلى الطائف وجدّة وبقية أنحاء المملكة ولسان حال بعضهم يردّد قول الشاعر: |
تركوك في المثوى الأخير وغابوا |
وتقطعت من دونك الأسباب |
أتوجه بالعزاء إلى إخوته الأعزّاء وأبنائه النجباء وأصدقائه الأوفياء وعلى رأس الجميع معالي الشيخ ناصر الشثري المستشار بالديوان الملكي وابنه الشيخ سعد عضو هيئة كبار العلماء وإلى كل من عرف الفقيد، والحمد لله على قضائه الذي لا يرد ولتظل قبره سماء الرحمة وتمطره سحائب الغفران.. والأمر لله من قبل ومن بعد... |
عصبة الأدباء - الطائف |
|