Al Jazirah NewsPaper Saturday  23/08/2008 G Issue 13113
السبت 22 شعبان 1429   العدد  13113
(مجداف)
استنساخ الوزراء للقضاء على الأزمات
فضل سعد البوعينين

يمكن أن نطلق على العام 2008 عام الأزمات؛ أزمة التضخم، السكن، المياه، الدقيق والمواد الغذائية، الحديد، الإسمنت، الكهرباء، الكيروسين، والديزل.

لا يمكن أن تمر الليالي والأيام دون حدوث المنغصات، ومرور الأزمات؛ فالدنيا بين عسر ويسر، وسعة وضيق، ومن تنعم بالخيرات وجب عليه الصبر على الأزمات والقبول بها، بل وتوقع حدوثها. إلا أن القبول ينبغي ألا يمنع الإنسان من التبصر فيما حوله من مستجدات، والبحث عن أسباب الأزمات، وطرق علاجها، ووسائل الحصانة منها.

معاودة الأزمات في مدة زمنية قصيرة عادة ما يكون مؤشرا على وجود خلل ما في الإدارة. الإدارة الناجحة هي التي تتمكن من العمل بالإمكانيات المتاحة وفق إستراتيجيات واضحة تعتمد على نظرة مستقبلية شاملة يمكن من خلالها حماية المجتمع من كثير من الأزمات.

خاطب الملك عبدالله بن عبدالعزيز العام 2005 الوزراء بقوله (أيها الإخوة.. المهم السرعة لأنه الآن لا يوجد عذر.. الآن ولله الحمد الخيرات كثيرة ولم يبق إلا التنفيذ)، وتأكيدا لهذه المقولة الكريمة صرفت حكومة الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز في السنتين الماضيتين على مشروعات التنمية والتطوير مئات المليارات، إلا أنها عانت كثيرا من بطء التنفيذ، وتعطل بعض المشروعات الحيوية، وعدم قدرة الشركات الوطنية على تحمل المشروعات الضخمة، ما ساعد على استمرار الفجوة التنموية على الرغم من وفرة الأموال.

الأمر لا علاقة له بالمال، بل هو مرتبط بإدارة التنمية، ورسم الاستراتيجيات المستقبلية، والسرعة والانضباطية في تنفيذ المشروعات التي يفترض أن تكون من أولويات الوزراء.

وهنا أستشهد بالبرازيل، وتجربتها الرائدة في التنمية الشاملة التي أهلتها لتكون أكثر دول أميركا الجنوبية نموا، بالرغم من محدودية مواردها وثرواتها، في وقت تكافح فيه دول كبرى أزمات الاقتصاد.

بعض المشروعات الحيوية ما زالت معطلة في الوقت الذي رصدت فيه الدولة، رعاها الله، الأموال اللازمة لتنفيذها.

بعض هذه المشروعات لا يمكن إنجازها في الوقت الحالي بسبب التضخم الذي أدى إلى زيادة تكاليف إنشائها بما يزيد على 300 في المائة. تُرى من يتحمل مثل هذه الفروقات السعرية الضخمة، وهل هناك محاسبة للمتسببين في تعطيل مشروعات الدولة، ومصالح المواطنين؟.

نحن لا نحقق المنفعة التامة من أموال الدولة الموجهة لمشروعات التنمية، بل إننا لا نحصل على الحد الأدنى من جودة المشروعات التي ينبغي أن تبقى لعقود قادمة!.

هناك قصور في إعداد الدراسات والتصاميم، تقدير التكاليف، الالتزام بجودة التنفيذ ومواعيد التسليم، ومطابقة المشروعات، الخدمية على وجه الخصوص، للحاجات الحالية وإمكانية استيعابها الحاجات المستقبلية.

المشروعات التنموية الحالية تحتاج إلى أجهزة فاعلة متخصصة لتنفيذها والإشراف عليها لضمان الجودة وسرعة التنفيذ بما يحقق تطلعات ولي الأمر وأمنيات المواطنين.

يبدو أن أصحاب المعالي الوزراء لا يستطيعون الجمع بين الأعباء الإدارية اليومية، وبين متطلبات التنمية التي تعتمد كثيرا على الإستراتيجية، وخطط العمل المحكمة. هل نحن في حاجة إلى استنساخ الوزراء وتقسيم المهام فيما بينهم لضمان تحقيق سرعة التنفيذ وجودة العمل؟؛ أم تفعيل سياسة التفويض القائمة على المراقبة، والمحاسبة العادلة؟؛ أم أن الحل الأمثل يكمن في استنساخ ما نحتاجه من المشروعات العالمية وإسناد مهام تنفيذها للشركات الأجنبية وفق المواصفات العالمية والتكاليف المعلنة؟.

أعتقد أن مشروعات الدولة في حاجة إلى جهة مستقلة؛ جهة تهتم بالأشغال العامة ولا شيء غير ذلك، ترتبط بمكاتب استشارية دولية، وتعتمد في تنفيذ مشروعاتها على الشركات العالمية، والسعودية القادرة على تحقيق متطلبات الجودة وسرعة التنفيذ؛ نحن في حاجة إلى وضع إستراتيجيات تنموية بعيدة المدى تتولى أمرها الهيئات الإستشارية العالمية؛ يُقرانهما مجلسي الشورى، والوزراء الموقرين ويلتزم بتنفيذها الوزراء وفق خطة عمل منضبطة ومقسمة على مراحل، مدة كل مرحلة أربع سنوات، وعلى ضوئها يتم تقييم كفاءة الأداء الحكومي.

الأزمات المتكررة يمكن أن تكون شاهدة على غياب الإستراتيجية، وخطة العمل لإنجاز المهام وتحقيق الأهداف، والعمل الجاد المنظم الذي يكفل لنا تحقيق المنفعة التامة من مشروعات التنمية الضخمة.. أموال الدولة وإن بلغت عنان السماء، فلن تنجح في وقف الأزمات، تلبية الحاجات، بناء المستقبل، وتحقيق تطلعات ولي الأمر بمعزل عن الإستراتيجيات الشاملة، والعمل المنظم الدؤوب الذي تحكمه خطط العمل وتفاني المسؤولين. أخشى أن تتسرب الوفرة المالية من بين أيدينا ونحن منهمكون في إطفاء حرائق الأزمات، بدلا من تحقيق الإنجازات وتأمين مستقبل الأجيال القادمة. قال تعالى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.. فلنغتنم أيام الخير والرخاء قبل أن تذهب عنا إلى أناس آخرين.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة sms تبدأ برقم الكاتب 7741 ثم أرسلها إلى الكود 82244

f. albuainain@hotmail. com



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد