Al Jazirah NewsPaper Friday  22/08/2008 G Issue 13112
الجمعة 21 شعبان 1429   العدد  13112
في حديث عن القوامة في المجتمع الإسلامي.. د. اعتدال حجازي ل الجزيرة :
العلاقة بين الرجل والمرأة تقوم أساساً على العدل والحوار والتفاهم لا الظلم

الأحساء - خاص ب الجزيرة :

قالت الدكتورة اعتدال بنت عبد الرحمن حجازي عميدة كلية التربية للبنات للأقسام العلمية بالأحساء: إن شرع الله لم يظلم المرأة مطلقاً، وأعطاها حقوقاً لم تحصل عليها المرأة في الغرب حتى الآن. وطالبت الدكتورة اعتدال باحترام آراء أولياء الأمور القائمين على الولاية للمرأة، ووضعها موضع الاعتبار طالما كانت في حدود المنطق والمعقول، وحذّرت د. اعتدال من إساءة استغلال الولي للمرأة، وقهرها، وظلمها لأن ذلك يشكل أمراً خطيراً.. جاء ذلك في حوار مع الدكتورة اعتدال بنت عبد الرحمن حجازي.. وفيما يلي نصه:

* في البداية قلنا لها: هناك أخطاء في مفهوم القوامة الذي كفله الشرع لولي أمر المرأة.. لماذا هذه الأخطاء؟

- إن المجتمع الإسلامي ككل أخطأ فهم القوامة. إن القوامة في الأصل للرجل منذ الأزل في جميع المجتمعات والديانات وليس في الإسلام فقط، غير أن الإسلام لم يجعل هذه القوامة استرقاقاً واستعباداً للمرأة، كما كان يحدث في عصور سابقة، فقد جعل الإسلام للقوامة شرطين أولهما هو فضل الرجل على المرأة، بذلك لا يمكن اعتبار المجرم والفاسق أهلاً للقوامة.. أما الشرط الثاني يتمثل في الإنفاق على الأسرة، فلا قوامة للرجل على أهل بيته ما لم ينفق عليهم، ولابد من ضرورة التفريق بين الولاية والقوامة.. فالولاية في اصطلاح الفقهاء هي تدبير الكبير الراشد شئون القاصر الشخصية والمالية.

* هناك من يتصور أن الشرع ظلم المرأة المسلمة.. فكيف جاء هذا الرأي المغلوط؟

- إن الشرع الإسلامي لم يظلم المرأة إطلاقاً، لكن المجتمع هو من فرض القيام بعض الإجراءات مثل موافقة ولي الأمر في بعض الأمور التي جاءت عن طريق بعض أفراد المجتمع الذين توصلوا إلى استصدار أحكام تختص بموافقة الولي في جميع أمور حياة المرأة وألبسوها لباس الدين مما يتطلب ضرورة النظر في مثل هذه الإجراءات التي لا تمت للدين بصلة والتي تؤدي إلى تعطيل نشاط نصف المجتمع، بل وأدت بالفعل إلى ممارسة عنف أسري داخل البيوت إلى أن أصبح اعتقاداً سائداً بين أفراد المجتمع عرض الكثير من نساء المجتمع إلى الكبت واللواتي يقبعن داخل بيوتهن مقهورات مغبونات بسبب تسلط أولياء أمورهن عليهن.

إن من البديهي في مجتمعاتنا احترام آراء أولياء الأمور ووضعها في الاعتبار طالما كانت في حدود المنطق والمعقول، إلا أن إساءة استغلال ولي الأمر لحقوقه قد يشعر المرأة بالقهر والظلم والاضطهاد؛ الأمر الذي قد يولد لديها أشكالاً عديدة من الأمراض النفسية كضياع الإحساس بالذات والذي ينتج عنه مزيداً من الصور العدائية تجاه أسرتها ومجتمعها وربما تجاه نفسها.

* هل تحجيم دور المرأة يؤثر على المجتمع كله؟

- إن تحجيم دور المرأة في المجتمع بهذه الصورة وتوقيفه على موافقات أولياء أمورها لجدير بأن يعطل أنشطتها في كل المجالات، ولن يؤثر ذلك بالسلب على المجالات العامة فقط، بل سيمتد حتى إلى أنشطتها الأسرية الخاصة، فالمرأة هي النصف في أي مجتمع، والتعسف في استخدام الحقوق تجاهها هو عزل لها عن ذلك المجتمع بلا شك.

* هل القوامة على المرأة مطلقة، أم هناك حدود لها؟

- إن الأصل هو أن تقوم العلاقة بين الرجل والمرأة على الفضل قبل العدل، وعلى الحوار والتفاهم، وفي ذات الوقت يجب ألا تتحول القوامة إلى نوع من ممارسة السلطة المطلقة. لا يمكن أن نترك كل أحد في المجتمع يفعل ما يشاء، ولو أضر بشركائه في الحياة، وتضيع الحقوق بين عادات غلبت قواعد الشرع، وبين دعوات متطرفة تدعو لانحلال المجتمع لا ترعى ديناً ولا خلقًا. إن قوامة الرجل وولايته منوطة بالمصلحة ورعايته بتطبيق شرع الله تعالى في أسرته، والرجل يستحق الولاية بثلاثة أمور هي: كمال العقل والتمييز، وكمال الدين، وبذل النفقة والقيام بما تحتاجه المرأة، وأي خلل في هذا ينقص حقه في الولاية، فهي ليست ولاية ذكورية، ولكنها ولاية فضل ورعاية. والولاية لا تعني أن تكون المرأة محبوسة على وليها في كل تصرف، فمن المتفق عليه شرعاً أن للمرأة ذمة مالية مستقلة لا تحتاج فيها إلى إذن وليها، لا زوجاً ولا أباً، وأنه يجب عليها أداء شعائر الله المفروضة دون إذن من أحد، بل وأشار بعض الفقهاء إلى أن من حق المرأة وصل رحمها دون إذن زوجها إن منعها، وأنه يحق لها الحج رغماً عنه إن رفض، فالمرأة أمة الله محاسبة على أعمالها كما الرجل محاسب على عمله. ولم يقل أحد من الفقهاء أنه يجب إذن الولي في علاج المرأة إذا كان علاجها يعني تحقيق مقصد الحفاظ على نفسها وهو مقدم على حق الولي، أو أنه يجب إذنه في تصرفها في مالها.

لكن - بالطبع - الأمر يختلف فيما قد يؤثر في طبيعة الحياة الزوجية مثلاً، فالعمل والوظيفة والسفر وبعض الممارسات التي تؤثر على طبيعة التعامل والحياة بين المرأة والرجل، فهذه لا بد فيها من إذن الزوج، فلا يتصور عقلاً أن تخرج المرأة لعمل دون رأي زوجها، أو أن تسافر دون علمه؛ لأنها بذلك تفوت عليه حقوقاً شرعية يجب عليها أداؤها.

لقد جاء الإسلام وسطاً، فلا هو حرم المرأة ما يخص شخصها بذاتها، ولا هو أباح لها ما يضر حق الغير، وهو منهج يتساوى فيه الرجل مع المرأة، فلا يجوز له أن يتصرف بما فيه ضرر لغيره من الزوجة والأبناء.

إن من الضروري فهم القوامة بشكل متوازن حتى لا تتحول فيه إلى ممارسة مطلقة للسلطة أو إلى حالة من اللا مبالاة بحيث يفعل كل فرد ما يشاء دون ضابط.

* وما هي الحكمة في {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}؟

- هذه حكمة إلهيةِ قرن القرآن الكريم في آيات القوامة بين مساواة النساء للرجال وبين درجة القوامة التي للرجال على النساء، بل وقدم هذه المساواة على تلك الدرجة {..وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ}وفي سورة النساء جاء البيان لهذه الدرجة التي للرجال على النساء في سياق الحديث عن شئون الأسرة، وتوزيع العمل والأنصبة بين طرفي الميثاق الغليظ الذي قامت به الأسرة الرجل والمرأة فإذا بآية القوامة تأتى تالية للآيات التي تتحدث عن توزيع الأنصبة والحظوظ والحقوق بين النساء وبين الرجال، دونما غبن لطرف، أو تمييز يخل بمبدأ المساواة، وإنما وفق الجهد والكسب الذي يحصِّل به كل طرف ما يستحق من ثمرات {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً } {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } «33»سورة النساء.

* وهل فهم المسلمون القوامة بهذا المعنى الرباني؟

- لقد فهم المسلمون أن درجة القوامة هي رعاية رُبّان الأسرة الرجل لسفينتها، وأن هذه الرعاية هي مسئولية وعطاء وليست ديكتاتورية ولا استبداداً ينقص أو ينتقص من المساواة التي قرنها القرآن الكريم بهذه القوامة، بل قدمها عليها ولم يكن هذا الفهم الإسلامي لهذه القوامة مجرد تفسيرات أو استنتاجات، وإنما كان فقهاً محكوماً بمنطق القواعد القرآنية الحاكمة لمجتمع الأسرة، وعلاقة الزوج بزوجه.. فكل شئون الأسرة تُدار، وكل قراراتها تُتَّخذ بالشورى، أي بمشاركة كل أعضاء الأسرة في صنع واتخاذ هذه القرارات، لأن هؤلاء الأعضاء مؤمنون بالإسلام والشورى صفة أصيلة من صفات المؤمنين والمؤمنات {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ {37}وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {38}وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ}فالشورى واحدة من الصفات المميزة للمؤمنين والمؤمنات، في كل ميادين التدبير وصناعة القرار.. والأسرة هي الميدان التأسيسي والأول في هذه الميادين.

هكذا فهم المسلمون معنى القوامة.. فهي مسئولية وتكاليف للرجل، مصاحبة لمساواة النساء بالرجال.. إنها تفرض على المرأة شيئاً وعلى الرجل أشياء.

لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغلى ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه وهو القَوَّام على الأمة كلها، في الدين والدولة والدنيا جميعاً. وفي خطبته - صلى الله عليه وسلم - بحجة الوداع (وهي التي كانت إعلاناً عالمياً خالداً للحقوق والواجبات الدينية والمدنية) أفرد - صلى الله عليه وسلم - للوصية بالنساء فقرات خاصة، أكد فيها على التضامن والتناصر بين النساء والرجال في المساواة والحقوق والواجبات فقال: (ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة. ألا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً.. فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيراً، ألا هل بلغت!. اللهم فاشهد).

* لقد فهمت القوامة صحيحاً في عصر التنزيل.. ولكن لماذا أسيء فهمها الآن؟

- فُهمت القوامة في عصر التنزيل.. فكانت قيادة للرجل في الأسرة، اقتضتها مؤهلاته ومسئولياته في البذل والعطاء.. وهي قيادة محكومة بالمساواة والتناصر والتكافل بين الزوج وزوجه في الحقوق والواجبات ومحكومة بالشورى التي يسهم بها الجميع ويشاركون في تدبير شئون الأسرة. هذه الأسرة التي قامت على الميثاق الغليظ - ميثاق الفطرة والذي تأسس على المودة والرحمة - حتى غدت المرأة فيها السكن والسكينة لزوجها حيث أفضى بعضهم إلى بعض، هنَّ لباس لكم وأنتم لباس لهن، فهي بعض الرجل والرجل بعض منها {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}، {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}.

وإذا كانت القوامة ضرورة من ضروريات النظام والتنظيم في أية وحدة من وحدات التنظيم الاجتماعي، لأن وجود القائد الذي يحسم الاختلاف والخلاف، هو مما لا يقوم النظام والانتظام إلا به، فلقد ربط القرآن هذه الدرجة في الريادة والقيادة بالمؤهلات وبالعطاء، وليس بمجرد (الجنس) فجاء التعبير (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) وليس كل رجل قوّام على كل امرأة.. لأن إمكانات القوامة معهودة في الجملة والغالب لدى الرجال، فإذا تخلفت هذه الإمكانات عند واحد من الرجال، كان الباب مفتوحاً أمام الزوجة إذا امتلكت من هذه المقومات أكثر مما لديه لتدير دفة الاجتماع الأسرى على نحو ما هو حادث في بعض الحالات.

* القوامة في الفكر أم في التطبيق؟

- كانت القوامة في الفكر والتطبيق في عصر صدر الإسلام.. لكن الذي حدث بعد القرون الأولى وبعد الفتوحات التي أدخلت إلى المجتمع الإسلامي شعوباً لم يذهب الإسلام عاداتها الجاهلية، في النظر إلى المرأة والعلاقة بها، قد أصاب النموذج الإسلامي بتراجعات وتشوهات أشاعت تلك العادات والتقاليد الجاهلية في المجتمعات الإسلامية من جديد، ويكفي أن نعرف أن كلمة (عَوَان) التي وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بها النساء، في خطبة حجة الوداع، والتي تعنى في (لسان العرب): (النَّصَف والوسط) أي الخيار، قد أصبحت تعنى - في عصر التراجع الحضاري - أن المرأة أسيرة لدى الرجل، وأن النساء أسرى عند الرجال، وأن القوامة هي لون من (القهر) لأولئك النساء الأسيرات وهو فهم لمعنى القوامة، وعلاقة الزوج بزوجه، يمثل انقلاباً جذرياً على إنجازات الإسلام في علاقة الأزواج بالزوجات، فالعادات والتقاليد الجاهلية التي أصبحت تغالب قيم الإسلام في تحرير المرأة ومساواة النساء للرجال.

* حقوق المرأة التي كفلت قبل 14 قرناً لماذا أسيء فهمها؟

- من مقتضيات البعث الحضاري، الحديث والمعاصر، لنموذج الإسلام في تحرير المرأة وإنصافها، كبديل للنموذج الغربي الذي اقتحم عالم الإسلام في ركاب الغزوة الاستعمارية الغربية لبلادنا والذي شقيت وتشقى به المرأة السوية في الغرب ذاته كان من مقتضيات ذلك إعادة المفاهيم الإسلامية الصحيحة لمعنى قوامة الرجال على النساء.. وهي المهمة التي نهضت بها الاجتهادات الإسلامية الحديثة والمعاصرة لأعلام علماء مدرسة الإحياء والتجديد. إن من يتدبر الآية الكريمة {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}سيجد أنها قاعدة كلية ناطقة بأن المرأة مساوية للرجل في جميع الحقوق وتعطى الرجل ميزاناً يزن به معاملته لزوجه في جميع الشئون والأحوال، فإذا همّ بمطالبتها بأمر من الأمور يتذكر أنه يجب عليه مثله بإزائه. وليس المراد بالمثل المثل بأعيان الأشياء وأشخاصها، وإنما المراد: أن الحقوق بينهما متبادلة، وأنهما كفؤان، فما من عمل تعمله المرأة للرجل إلا وللرجل عمل يقابله لها، وإن لم يكن مثله في شخصه، فهو مثله في جنسه، فهما متماثلان في الذات والإحساس والشعور والعقل، أي أن كلا منهما بشر تام له عقل يتفكر في مصالحه، وقلب يحب ما يلائمه ويسر به، ويكره ما لا يلائمه وينفر منه، فليس من العدل أن يتحكم أحد الصنفين بالآخر ويتخذه عبداً يستذله ويستخدمه في مصالحه، ولا سيما بعد عقد الزوجية والدخول في الحياة المشتركة التي لا تكون سعيدة إلا باحترام كل من الزوجين الآخر والقيام بحقوقه. هذه الدرجة التي رُفع النساء إليها لم يرفعهن إليها دين سابق ولا شريعة من الشرائع، بل لم تصل إليها أمة من الأمم قبل الإسلام ولا بعده. وأما قوله تعالى {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}فهو يوجب على المرأة شيئاً، وذلك أن هذه الدرجة درجة الرياسة والقيام على المصالح، المفسرة بقوله تعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}.

لقد خاطب الله تعالى النساء بالإيمان والمعرفة والأعمال الصالحة، في العبادات والمعاملات، كما خاطب الرجال، وجعل لهن مثل ما جعله عليهن، وقرن أسماءهن بأسمائهم في آيات كثيرة، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنات كما بايع المؤمنين، وأمرهن بتعلم الكتاب والحكمة كما أمرهم، وأجمعت الأمة على ما مضى به الكتاب والسنة من أنهن مجزيات على أعمالهن في الدنيا والآخرة.

إن الحياة الزوجية حياة اجتماعية، ولا بد لكل اجتماع من رئيس، لأن المجتمعين لا بد أن تختلف آراؤهم ورغباتهم في بعض الأمور، ولا تقوم مصلحتهم إلا إذا كان لهم رئيس يُرجع إلى رأيه في الخلاف، لئلا يعمل كل ضد الآخر فتفصم عروة الوحدة الجامعة ويختل النظام، والرجل أحق بالرياسة لأنه أعلم بالمصلحة، وأقدر على التنفيذ بقوته وماله، ومن ثم كان هو المطالب شرعاً بحماية المرأة والنفقة عليها، وكانت هي مطالبة بطاعته في المعروف.

إن المراد بالقيام (القوامة) هنا هو الرياسة التي يتصرف فيها المرؤوس بإرادته واختياره، وليس معناه أن يكون المرؤوس مقهوراً مسلوب الإرادة لا يعمل عملاً إلا ما يوجهه إليه رئيسه. إن المرأة من الرجل والرجل من المرأة بمنزلة الأعضاء من بدن الشخص الواحد، فالرجل بمنزلة الرأس والمرأة بمنزلة البدن، أما الذين يحاولون بظلم النساء أن يكونوا سادة في بيوتهم، فإنما يلدون عبيداً لغيرهم.

* هل تعسف الرجال في استخدام القوامة سببٌ في تمرد المرأة؟

- إن قضية القوامة من أكثر القضايا المثيرة للجدل والنقاش في وقتنا هذا، وقد تَحَدَّث فيها الكثيرون، وبَيَّنُوا معناها من كافة النواحي، ولكن هناك الكثير من الرجال يسيء استعمال القوامة بمعناها الصحيح الذي وضحه الشرع، فيتعسف في استخدامها وكأنها سيف مسلط على رقبة المرأة، يعوقها عن الحركة، ويدميها إذا فعلت، وكأنه فهم أن القوامة إلغاء لشخصية المرأة وكيانها وعقلها ورأيها، فلا يبقى منها سوى القيام بخدمته ومتعته وإنجاب الأطفال. ومع طغيان هذه الأفكار على معظم الرجال في العالم كله، وفي مجتمعنا العربي بوجه خاص، كانت الشرارة التي أذكت نار الحركات النسائية، ودعاوى تحرير المرأة، ومناداتها بالمساواة مع الرجل، وإنصافها من ظلمه لها.

واندفعت الكثير من النساء وراء هذه الدعاوى، وبالفعل تمردت كثيرات منهن على أفعال الرجل وسوء فهمه للقوامة، وإساءة استعمالها مع زوجته، وقرَّرْنَ لذلك الخروج من بوتقة تحكم الرجل فيهن لمجرد كونه رجلاً، حتى وإن كان لا يمتلك مؤهلات القوامة. ومن صور إساءة استعمال القوامة أشارت الدراسات إلى أن 20 إلى 60% من النساء في الدول النامية تعرضن للضرب داخل الأسرة، وأن 35% من المصريات المتزوجات تَعَرَّضْنَ للضرب من قبل أزواجهن، و69% من الزوجات يتعرضن للضرب في حالة عدم الاستجابة لطلبات الزوج، أو الرد عليه بلهجةٍ لا تعجبه، أو تدخل الزوجة برأيها في شئونه أو شئون المنزل، و40% من حالات الطلاق وقعت نتيجة ضرب الزوج لزوجته.

وتشير الدراسات الاجتماعية في مصر إلى أن معظم أسباب ضرب الزوجات اقتصادية، وتتعلق بالضغط النفسي الناتج عن صعوبة المعيشة، أما في الدول العربية الأفضل حالا فتعود أسباب الضرب إلى اعتقاد راسخ لدى الأزواج بضرورة التأديب المستمر للمرأة، والسيطرة عليها؛ لأنه هو الرجل والقوام عليها.

وفي مقابل ذلك، ومع استمرار عنف الأزواج وإساءة استعمالهم القوامة، ظهر رد الفعل العنيف من الزوجات، فقد أكدت دراسة حديثة أعدها المركز القومي للبحوث في مصر أن 20% من الزوجات يَضْرِبْنَ أزواجهن لأسباب تعود إما لضعف الزوج أو لتهوره وعصبيته، ومقابلة الضرب بالضرب، وأن 45% من ارتكاب الجرائم ضد الأزواج يرجع إلى تسلط الزوج وتحكمه، والضرب المستمر للزوجة، ومحاولته الضغط عليها، وتهميش دورها، وعدم احترامها، وقد قرأنا عن العديد من الجرائم البشعة التي ارتكبتها زوجات للتخلص من أزواجهن؛ لإيذائهم المستمر لهن.

وبين تعسف الرجل في تطبيقه لحقه الشرعي في القوامة، وتمرد المرأة ورفضها لهذا التعسف، تفككت الكثير من الأسر، واختلت موازين العلاقة الزوجية الصحيحة؛ لابتعاد الناس عن المنهج الرباني الذي ينظم تلك العلاقة، ومن ثَمَّ كانت هناك ضرورة لإعادة فهم كلٍّ من الزوجين للمعنى الصحيح للقوامة.

* ما علاقة التربية والقوامة؟

- إن قوامة الرجل على المرأة تعد ميزة للأسرة والمجتمع، وهي تعد بمثابة الرأس من الجسد، وقد حدد الإسلام دور الزوجين في بناء أركان الحياة السعيدة المستقرة، وجعل كلاً منهما مكملاً للآخر، ولا تستقيم الحياة إلا به.

وإذا كانت القوامة تعنى الاحتواء والاحتضان والتشاور وعدم الاستبداد، إلا أن الكثير من الأزواج لا يفقه هذا المعنى، ويتخذها ذريعةً للتسلط والتملك والعنف على الزوجة والأبناء. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، من أهمها: أسس التربية الخاطئة، والتنشئة الاجتماعية التي تتعارض مع تعاليم الدين، فمنذ الطفولة يكون الطفل الذكر مفضلاً على الأنثى، وخلال مراحل التنشئة والتربية يتضخم هذا التفضيل حتى يترسخ في ذهن الولد أنه الأفضل دائماً، وأن أخته لا يمكن أن تصل أبداً إلى مرتبته ومستواه، ويتزوج الرجل وهو مُشَبَّعٌ بهذه الأفكار التي تدعمها وسائل الإعلام التي تروج أن المرأة مخلوق أقل من الرجل في كل شيء، وأنها تتفوق فقط في جمال الشكل، والذي يكون أيضاً لإسعاد الرجل.

* وهل اختلف مفهوم التربية عن المشروع الحضاري الإسلامي؟

- للأسف فإن التربية في العالم الإسلامي مضادة تماماً للمشروع الحضاري والأخلاقي الإسلامي الذي يجب أن نكون عليه، وهناك تقليد أعمى للغرب في كل شيء، كدنا نفقد معه هويتنا وثوابت ديننا، فعندما تمردت المرأة الغربية على دورها المنزلي، وخرجت تزاحم الرجال في كسب العيش، تبعتها المرأة المسلمة وتركت دورها هي الأخرى في تربية الأبناء وتدبير شئون الأسرة، ومن ثَمَّ حدث الخلل في نظام المجتمع، ولم تستطع المرأة أن تقاتل في جبهتين، فأعيتها المقاومة، وأنهكتها مزاحمة الرجال في أعمالهم الشاقة، وظلت تنادي بالمساواة مع الرجل، وزاد التنافس بينهما على من يستحق الزعامة والخلافة، ومَنْ يتبع مَنْ؟ والإسلام من كل هذا برئ.

يجب أن نربي أبناءنا على فهم دور كل منهم في الحياة، وعدم تفضيل الذكور على الإناث، وتعليم الولد احترام أمه وأخته، وأن يدرك أن البيت السعيد يقوم على الحب والاحترام والعطف المتبادل بين الزوجين، فعلى الزوج ألا يتعسف في استعمال القوامة، وأن يدرك الحكمة والغاية السامية من الزواج، وأنه آيةٌ من آيات الله عز وجل، وعلى الزوجة أن تدرك قيمة زوجها ودوره في الحياة، وأن تظهر حبها واحترامها له دوماً أمام الأبناء، وألا تنبهر بالنساء اللاتي تحررن من سيطرة الزوج، وتنخدع بكلامهن، وتخسر سعادتها بيدها.

أديبة أوروبية مشهورة بعد أن طعنت في السن ولم تتزوج، فقالت متوجعة: (إن أكثر من تضرر من دعاوى تحرير المرأة هن النساء، وأنا أتمنى الآن أن أفقد كل ما أملك، أو استبدل كل ما وصلت إليه من مجد وشهرة ونبوغ برجل يسكن إلي وأسكن إليه، حتى وإن كان قعيداً لا يتحرك، يكفي أن أنظر إلى عينيه وأشعر بأنفاسه التي تشعرني بالقوة والأمان، وتحلو معه مرارة الوحدة، وأشعر بالدفء في ليالي الشتاء الموحشة الباردة).

تقول الروائية الإنجليزية الشهيرة (أجاثا كريستي): (إنَّ المرأة مغفلة؛ لأنَّ مركزها في المجتمع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم؛ لأننا بذلنا الجهد الكبير للحصول على حق العمل والمساواة مع الرجل. ومن المحزن أنَّنا أثبتنا - نحن النساء - أنَّنا الجنس اللطيف الضعيف ثم نعود لنتساوى اليوم في الجهد والعرق اللذين كانا من نصيب الرجل وحده).

ولقد فطنت المحامية الفرنسية (كريستين) إلى هذه الحقيقة حين زارت الشرق المسلم فكتبت تقول: (سبعة أسابيع قضيتها في زيارة كل من بيروت ودمشق وعمّان وبغداد، وها أنا أعود ذا إلى باريس.. فماذا وجدت؟ وجدت رجلاً يذهب إلى عمله في الصباح.. يتعب، يشقى، يعمل، حتى إذا كان المساء عاد إلى زوجته ومعه خبز، ومع الخبز حب وعطف ورعاية لها ولصغارها. الأنثى في تلك البلاد لا عمل لها إلا تربية الجيل، والعناية بالرجل الذي تحب، أو على الأقل الرجل الذي كان قدرها. في الشرق تنام المرأة وتحلم وتحقق ما تريد، فالرجل وفّر لها خبزاً وراحة ورفاهية، وفي بلادنا، حيث ناضلت المرأة من أجل المساواة، فماذا حققت؟ المرأة في غرب أوربا سلعة، فالرجل يقول لها: انهضي لكسب خبزك فأنت قد طلبت المساواة. ومع الكد والتعب لكسب الخبز تنسى المرأة أنوثتها وينسى الرجل شريكته وتبقى الحياة بلا معنى).

ولعل فيما كتبه (جاردنر آرمسترونغ) عن انهيار الأسرة الأمريكية نتيجة سقوط قوامة الرجل في كتيب بعنوان (كيف يمكن أن تحقق السعادة في حياتك الزوجية) ما يعزز ما سبق ذكره، حيث كتب يقول: (لماذا تشعر أغلب النساء بالخيبة والشقاء؟ لأنَّهن خرجن على فطرتهن. ولماذا يتأنث معظم الرجال ويفشلون أزواجاً؟ لأنَّهم تخلّوا عن أصالتهم الفطرية).

يقول (مراد هوفمان): (فإلى متى سنبقى في مرحلة الدفاع عن الأسرة) المسلمة ونحن أصحاب رسالة يجب أن يصغي لها الجميع؟).

* ماذا تفرضه القوامة على الرجل؟

- ما تفرضه القوامة على الرجل:

أولاً: التشاور والتراضي كقيم أساسية تحكم العلاقات بين الزوجين فلا بد من ممارسة مفهوم القوامة على أساس من الرضا بين الطرفين فتوزيع المسؤوليات بين الزوجين أمر ضروري لتستقيم حياة الأسرة وتنتظم شئونها من ناحية؛ وللحفاظ على مشاعر المودة والرحمة من ناحية أخرى، وقال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولده فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) (رواه البخاري ومسلم)، وقال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}.

ثانياً: الإنفاق على الأسرة وهي المسئولية الثانية للرجل بعد القوامة، وأساسها قدرته على التفرغ للكسب ومن الممكن التعاون بين الزوجين من أجل إكمال مسئولية الإنفاق، فإذا أنفقت المرأة في بيت زوجها فكأنما تصدقت بما أنفقته.

ثالثاً: المسئولية الأولى للمرأة: حضانة الأطفال وتربيتهم، وتبدأ مسئوليتها ساعة حملها الجنين في رحمها ولا بد من التعاون بين الزوجين من أجل كمال أداء مسئولية حضانة الأطفال وتربيتهم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو: (إن لولدك عليك حقاً) (رواه مسلم). ومن مظاهر الرعاية الحانية لرسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - انه كان يصلي وهو يحمل أمامة بنت زينب بنت رسول الله، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها.

ثالثاً: المسئولية الثانية للمرأة: تدبير شئون البيت؛ فقد قال الإمام النووي أن تدبيرها لشئون بيتها من المعروف والمروءة، وهو تبرع من المرأة وإحسان منها إلى زوجها وحسن معاشرة وفعل معروف؛ وقد يتعامل الزوجين من أجل كمال أداء مسئولية تدبير شئون البيت؛ وقد سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع في بيته قالت: (كان بشر من البشر يغلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه، وكان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم) (رواه أحمد)، فمسئولية المرأة عن تدبير شئون المنزل لا يعني أن تقوم بنفسها بجميع أعمال البيت إنما يعني مسئوليتها عن الإشراف على كل ذلك، سواء أرادت أن تقوم به هي أو يقوم به غيرها فهذا يتوقف على عوامل كثيرة مثل القدرة المالية والوقت الميسر.



g.al.alshaikh12@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد