إن كان في هذا الزمن المضطرب العجيب من مزايا، فإن المزية الواضحة فيه هي ظهور كل شيء على حقيقته، بما فيه حقائق الناس، فلم يعد هناك شيء يتدارى أو يتوارى أو يختبئ فكل شخص بان وتكشف.
فمن هؤلاء: من كانت هذه حقيقته أساساً ولكنه كان يتحين الفرصة لظهورها فلما واتته كشر عن أنيابه، وظهر على حقيقته التي كان يداريها خوفاً من الغضبة الاجتماعية والرسمية.
ومنهم النوع الثاني: ذلك الذي انقلب على عقبيه منتقلاً من النقيض للنقيض، شكلاً ومضموناً، ويعد هذا النوع من فتن آخر الزمان التي تجعل الحليم حيراناً، فقد صدم به محبوه ومريدوه، وأصبحوا يقلبون كفوفهم عجباً وأسفاً.
وقسم ثالث: بقي ثابتاً في الحق ثبات الجبال لا تزعزعه الشدائد ولا الأهوال، ولا تخيفه تقلبات الأحداث وضغوط أشخاصها، وإن تغير بعض أفراده فهو تغيير يسير يقتضيه الحال، وهؤلاء هم المفلحون بإذن ربهم سواء أكانوا رجالاً أم نساء، وهم الذين كسبوا ثقة الصالحين، بل ثقة كل صاحب فطرة سليمة.
وهناك صنف رابع وأخير: صُدم لهذا التغيير المفاجئ الذي حل بالناس والمجتمعات، حيث صار الحرام الواضح حلالاً والخطأ صواباً، وذهل بأسباب وقاحة الممارسة الفعلية، أو جرأة الطرح القولية أو الكتابية أو الحوارية، فعاد هذا الصنف لفطرة الدين وبذرة الصلاح والإصلاح داخل نفوسهم يتعاهدونها ويرعونها، بعد أن كانوا مجرد أشخاص عاديين، وذلك كردة فعل منهم نتيجة ذهولهم لما يحدث في الساحة من عجائب وتغييرات لا تكاد تلتقط أنفاسها دون رقيب ولا حسيب، وهؤلاء الذين يمكن أن نطلق عليهم الوعاة الحقيقيين لما يحدث حولهم، وهم الذين يحملون الهم الديني والأخلاقي والاجتماعي والثقافي والوطني.
وقد بين لنا الخالق - جل وعلا - في محكم تنزيله أن النفس البشرية متفاوتة في الصلاح والفساد، فهناك نفس إمارة بالسوء أي تتعمده وتكرره ولا تعود عنه، ونفس لوامة أي تذنب ولكن تلوم نفسها وتحاول التوبة بحسب قدراتها، ونفس ثالثة هي النفس المطمئنة وهي أرقى أنواع النفوس البشرية لأنها أطاعت خالقها فتصالحت مع ذاتها فكوفئت بالأمن الداخلي والخارجي في دنياها وأخراها.
وفي زمن التكشف الذي لم يعد يخفي أية حقيقة، ولم يعد أحد فيه يبطن شيئاً، بل أحياناً يصل الأمر لدرجة التبجح والإعلان والإعلام المرئي والمسموع والمقروء، اسأل نفسك: أي النفوس نفسك؟ وتقبل النتائج عاجلاً وآجلاً، وما ربك بظلام للعبيد.