الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
لقد ذم الله الإفساد في الأرض وأخبر أنه لا يحب المفسدين في بضع آيات من القرآن الكريم، كقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ. وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}وكقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ}..
وأعظم أنواع الفساد في الأرض الكفر بأنواعه الكثيرة التي منها الشرك ومنها النفاق وغيرها ومن الفساد العظيم في الأرض قتل النفوس المعصومة وإزهاق الأرواح البريئة، ولذلك سأل الملائكة الكرام ربهم عز وجل قائلين:{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء} ..وذلك بعد أن أخبرهم عز وجل بأنه سيجعل في الأرض خليفة. فدل ذلك على خطورة سفك الدماء وأنه من أعظم سفك الدماء في الأرض.
وأما الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم القتل والتحذير منه وبيان شناعته فكثيرة جداً منه قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً). وقوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة) إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة.
وإذا قلنا إن الإفساد في الأرض بأنواعه مذموم مكروه عند الله تعالى فإن عكسه وهو الإصلاح محمود محبوب عند الله تعالى، فالله عز وجل يحب الإصلاح والمصلحين ويبين أن المصلحين هم الناجون من عقوبة الله تعالى كما قال عز وجل: {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ. وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}.