Al Jazirah NewsPaper Friday  22/08/2008 G Issue 13112
الجمعة 21 شعبان 1429   العدد  13112

في تحذيرهم من استخدامها (1-2)
أهل الاختصاص: الشائعات تعزيز للفوضى ونشر المنكرات التي لا علاج لها

 

تحقيق - أحمد بن مطر العتيبي ومحمد بن سليم اللحام *

يحتل الفضول مكانة عالية عند الإنسان, فتراه يتطلع للمجهول ويكمل الفراغات التي يراها أو يسمعها للأحداث والأخبار من مخيلته بما يمثل تهيئة لإشباع رغبة الآخرين في نقل الأخبار، وهنا يقع المحذور في الزيادة والنقص والتلوين في الأحداث وإضفاء طابع الشخصية وإنزال الإسقاطات النفسية بشكل يؤدي للتغير الكامل للحدث في بعض الأحيان كلما تزايدت نسبة تداوله وتدني معدل التثبت فيه.

فالمدرسة العامة الدارجة في الواقع تنهج منهجاً (ليس لنا إلا الظاهر والله يتولى السرائر)، وهي حكمة يتبعها العامة في تزويد وكالة (يقولون) بمادتها الدسمة من الأقاويل التي تستمد شرعيتها من أسانيد واهية في الجملة وأحداث مؤولة لا تستند إلا على ظاهر لا يعبر عن حقيقة الواقع.

وهنا تكمن معاناة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من وكالة (يقولون) لارتباط عملها بعنصر التشويق لدى الناس في معاناة أزلية، فهي مصدر لتأويل الأحداث المرتبطة بالعمل الميداني للهيئة. تلك الوكالة تعمل على ترصد العمل الميداني للهيئة الرامي لضبط المنكرات الظاهرة، ولكن برؤية أخرى تنتهج قول الشاعر:

عين الرضا عن كل عيب كليلة

وعين السخط تبدي المساوئ

درستوراً ومنهاجاً، فتسعى بكل ما أوتيت للعمل على نقل الروايات التي تركز على السقطات والهنات وتعظيم الأخطاء من جانب، وتختلق الأحداث من جانب آخر في مسعى للتقليل من أهمية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع، بل وتسعى في منحى لتخطئة عملهم أسلوباً ومنهاجاً.

إن للتثبت مدرسة شرعية حث عليها ديننا الحنيف وأملاها علينا الشارع الحكيم من أجل تحقيق مصالح كثيرة ودرء مفاسد عظيمة تتشعب، ولحاجتنا لبيان ذلك كان هذا التحقيق.

حرام إنه متوضئ

فضيلة مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة القصيم المكلف الشيخ صلاح بن ناصر السعيد قال: جاءنا بلاغ موثوق عن مروج للمخدرات والمسكرات في أحد أسواق المدينة، ولقد اجتهدنا في تمحيص هذا البلاغ إلى أن تأكدنا من موثوقيته وأخذنا في مراقبته للقبض عليه، ولقد كان يتمتع بأسلوب مراوغة فريد أسعفه عدة مرات على الفرار على مدار ستة أشهر. وفي ذات مرة وقع متلبساً وفي أثناء سعينا للقبض عليه أذن المؤذن لصلاة المغرب فإذا بالرجل يشمر عن ذراعيه ويتجه مسرعاً لدورات مياه المسجد للتمويه، وحين همت دورية الهيئة ومن يرافقها من أفراد الشرطة بالقبض عليه حاول الهرب فما كان من المارة في السوق إلا محاولة منع رجال الهيئة من القبض عليه والسعي في إطلاق سراحه دون العلم بدافع الهيئة في القبض عليه، وبعد القبض عليه أخذ المارة يتحدثون بأن الهيئة تقبض على المصلين وحتى لو كانوا متوضئين، فانطلقت شائعة من فهم خاطئ للمشهد المرئي الذي لم يكن لرجال الهيئة أي دور فيه.

وفي موقف آخر يرويه لنا فضيلة الشيخ عبدالله بن حسن الأسمري رئيس مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (كيلو 14) بجدة قال: أتاني أحد المقبوض عليهم وهو يصرخ بحرقة: (لقد قبضوا عليَّ أصلي وأعطيني المصحف لأحلف عليه)!!! بهذه العبارات ابتدرنا وقال: لقد فوجئت من حديث هذا الرجل، فهو يحمل حجة راسخة وثقة في كلامه بشكل يجعل العقل يأبى إلا أن يصدقه، وهنا أسقط في يدي فرأيت أنه لا بد من تبين الحقيقة، وسألت أعضاء الدورية: هل قبتضم على هذا الرجل وهو يصلي؟

فأجابني رئيس الدورية: نعم!!

فقلت له: هل لك أن تروي لي ظرف ذلك؟

فقال: نعم بينما نحن نجول في السوق للتنبيه على الصلاة وقد أقيمت الصلاة في مسجد السوق وإذا ببائع متجول يقف ليس بالبعيد عن المسجد يبيع ولدى اقترابنا منه إذا بالمشتري يخر على الأرض ساجداً لغير اتجاه القبلة وعند هذا الموقف استوقفتنا الحيرة.

نقل الأخبار

من جانبه بيّن الشيخ فلاح بن رزيق الذيابي إمام جامع عبدالله بن الزبير أن من الأمور المسلم بها بين الناس نقل ما يدور في الساحة من أخبار. وقال: والناس حول هذه الأخبار على أقسام؛ منهم من ينقل الخبر كما سمعه دون النظر إليه وتمحيصه، ومنهم من لا يهتم بذلك ولا ينشغل بما تتناقل الناس في ساحاتهم، ومنهم من إذا سمع الخبر يفرح بنقله ونشره وربما يزيد فيه وينقص حسب ما يقتضيه المقام ونوعية الجليس والإطار الفكري للراوي.

وأضاف الشيخ الذيابي: فمن هذا المنطلق ينبغي على المسلم أن يراقب الله في تعاملاته وتصرفاته وأن يشغل نفسه بما يعود عليه بالفائدة في الدنيا والآخرة وأن ينظر إلى المنهج الشرعي في نقل الأخبار وغيرها حيث يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، مشيراً إلى أن الحديث عن أهمية الخبر أمر بدهي وخاصة في عصر اختلطت فيه الحقائق وتبدلت فيه الأمور وأصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً.

وأردف: كما وتبرز أهمية الخبر والتثبت في نقله كمثال في قصة سليمان عليه السلام مع الهدهد، إذ يقول الله سبحانه وتعالى: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}، فلما أخبره بخبره وقص قصته قال سليمان عليه السلام: {سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}، فبهذا سلك عليه السلام المنهج الشرعي في التثبيت عند سماع الأخبار، وجاء بعد ذلك دور ملكة سبأ والمنهج الذي أتخذته في تلقي الخبر وتبليغه.

وقال الذيابي: والحقيقة أننا أصبحنا في عالم عجيب يصبح ويمسي على الخبر، فخبر جنوب الأرض يؤثر في شمالها، وخبر في غربها يهز شرقها، والتسرع في نقل الأخبار دون تمحيص قد يوقع الشخص في عدة محاذير، ومن هذه المحاذير الكذب، يقول صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع). والكذب صفة ذميمة تظهر في النقل وتنبئ عن رداءة الطبع، والكل يعلم أن الكذب يغير الأمور ويقلب الحقائق ويجعل الباطل حقاً والحق باطلاً، تقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (ما كان خلقاً أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب). ويقول أبوبكر رضي الله عنه: (إياكم والكذب، فإن الكذب مجانب الإيمان).

وأضاف الذيابي: فكم من حروب قامت وفتن وقعت وأرحام قطعت وأسر شردت وقلوب تنافرت وغير ذلك من جنسها وأشد يقع سبب الكذب، وهو من الفجور يهدي إلى النار كما في الحديث، وهو من علامات النفاق كما بين النبي صلى الله عليه وسلم: (..وإذا حدث كذب). يقول الإمام النووي -رحمه الله- أعلم أن مذهب أهل السنة أن الكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو تعمدت ذلك أم جهلته لكن لا يأثم في الجهل وإنما يأثم في العمل.. انتهى.

بعد اجتماعي

وعن بعد آخر اجتماعي خطير لتناول الشائعات يحدثنا الدكتور علي بن عبدالرحمن الرومي قائلاً: إن ترويج الشائعات ضد رجال الهيئة أمر خطير لأن رجال الهيئة يمثلون مؤسسة ضبط اجتماعي مقره من المجتمع ممثلاً بالدولة والأفراد، فقد أثبتت إحدى الدراسات أن اتجاه أفراد المجتمع نحو أعضاء الهيئة إيجابي وبدرجة قوية، ثم إن أعضاء الهيئة لهم نظام يسير عملهم، وفي حال مخالفة أحدهم لهذا النظام فهناك طرق مشروعة يمكن من خلالها التحقق من تلك المخالفة وبالتالي تطبيق الأنظمة في مثل هذه الحالة.

وأردف الرومي: وخطورة مثل تلك الشائعات على المجتمع كبيرة ولعل من أهمها أن الشائعات سلاح ذو حدين فمن استخدمها يضع أرضية في المجتمع لاستخدامها، فكما هي سلاح بيده فهي سلاح بيد غيره وتصبح الشائعات نتيجة لذلك وسيلة متداولة في المجتمع لتحقيق المصالح وتطبيق الآراء والأفكار بعيداً عن الحوار واستخدام الأنظمة والوسائل المقبولة اجتماعياً.

وقال الرومي: ومن آثار خطورة الشائعة في حال نجاحها أنها تهز ثقة أفراد المجتمع بمؤسسة عريقة في المجتمع وبمبدأ سامٍ من مبادئ ديننا الحنيف مما قد ينعكس بزيادة الجرائم والانحرافات في المجتمع ويضعف شعور الأفراد بالأمن النفسي والاجتماعي. وبما أننا في مجتمع مسلم فمن المتوقع أن يزيد هذا من حالة التناقض الاجتماعي في المجتمع وينعكس على شعور الأفراد بالانتماء والتماسك والتكافل فيما بينهم.

زيادة المنكرات

وهنا سؤال يطرح نفسه ويسوغ الإجابة عنه في هذه المرحلة من التحقيق، ما هو الرابط والدافع بين عمل رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشائعات؟ وهل الشائعات تؤدي للخير؟

وأجابنا الدكتور فهد بن عبدالله العتيبي إمام وخطيب جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب في حي السلام أن تناقل الشائعات عن المحتسبين ورجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو تفسير مواقفهم تفسيراً خاطئاً له أثر واضح في زيادة وقوع المنكرات، بل وفي تبرير أهل المنكرات فعلها لأنفسهم، ولهذا تجد أن من يروج لهذه الشائعات في الغالب من مرضى القلوب الذين ضاقوا ذرعاً بالخير وأهله الغيورين على الحرمات، وتجدهم يلبسون على الناس الحقائق والوقائع ليرتعوا في شهواتهم وينساقوا وراء ملذاتهم ولا يجدوا نكيراً من الناس لأنهم كما يتصورون برروا لأنفسهم اقتراف هذه المنكرات بتشويهها الموقف من يأخذون على أيديهم من المحتسبين وقد جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً.

وأضاف العتيبي: هذا آخر الزمان الذي يصبح المعروف فيه منكراً والمنكر معروفاً عند بعض الناس. وإذا كثرت الشائعات درجت عن أهل الحسبة ولم تجد من يقف في وجهها من الغيورين وضعف تأييد الرأي العام لهم وتغيرت صورتهم لدى المجتمع فتتكون ردة فعل عامة بذلك عند بعض الناس عن كل تصرفات رجال الهيئة، وهذا ينتج عن ضعف الإدراك والتصور وهو نذير شر مستطير على المجتمع بأسره، فإن القاعدة المنطقية التي نتفق عليها أن كل من يعمل معرض للخطأ ورجال الهيئة كذلك فلا تنفي عنهم الخطأ والتقصير، بيد أن كثيراً مما يدور في المجالس والمنتديات من أخطائهم هو من قبيل التجني يجري وراءه ويروجه تجار الشهوات، على أنه لو حدث الخطأ منهم فإن ذلك ينبغي أن يغمر في بحر حسناتهم ويكفي أنهم طوق نجاة المجتمع القائمون على المحارم الحافظون لعورات المسلمين بعد حفظ الله عزّ وجلّ وليس من المصلحة الشرعية ولا المنطقية العقلية أن تشاع وتذاع ويتحدث بها لفائدة الغير. ومثل هذا الكلام يقال عن كل عامل مخلص يعمل في مصلحة عامة للمجتمع في مهمة شرعية أو طبية أو أمنية أو غيرها، فإن المعالجات لها طرقها السديدة ونظراتها الحكيمة.

واختتم العتيبي حديثه بقوله: وأخيراً فإن الساعين لإشاعة هذه الشائعات بين الناس عن رجال الهيئة ليسوا كلهم على درجة من خبث الطوية والتربص بالصادقين وحب نشر الفواحش في المجتمع، فإن منهم فريقاً مغفلين يُستدرجون من حيث لا يعلمون للخوض في أعراض المحتسبين بغير حق ويُوظفون من حيث لا يشعرون لرفع لواء المنكر ومحاربة الجهود التي تبذل في إنكاره في المجتمع.

* إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد