ينشط جماعة المسجد، وكذلك الأئمة والمؤذنون، ويستنفرون خلال شهر شعبان، وبداية شهر رمضان المبارك، ويتأهبون لهذا الشهر الفضيل، بحملة كبيرة تمتد من مدخل المسجد وحتى منارته، وهذه الحملة والحماس عادة ما يكون في أثاث المسجد ومكوناته، تارة بالنقل والتغيير، وأخرى بالإزالة.
وهذا الجهد والحماس من الجماعة والأئمة والمؤذن، أمر مقدر ومشكور، وجهد يشكرون عليه، ولكنه عمل قد يخرج من الإحسان إلى التطاول والتجاوز بالإحداث والتغيير على ما لا يملكونه، فيقعون في المحظور في وقت كانوا يبحثون فيه عن الأجور، وعلى سبيل المثال حينما يقول أحد المحسنين أو المحسنات ببناء جامع أو مسجد على نفقته الخاصة، ثم يأتي الإمام أو المؤذن أو أحد المتبرعين من جماعة المسجد بإزالة أو تغيير أو إحداث شيء من مرفقات المسجد دون الرجوع لمن قام ببناء المسجد، فإن في ذلك تعدياً على حق لا يملكونه، والأولى عند الرغبة في إزالة أو تغيير أو إحداث شيء في هذا المسجد الرجوع لمن أنشأه، وكذلك الحال فيما يتعلق ببيوت الله الأخرى التي بنتها الوزارة، لا يجوز التعديل والتبديل فيها دون الرجوع لإدارة الأوقاف، فهي المسؤولة عنها.
وهناك من المجتهدين من جماعة المسجد، أو من غيرهم، لا يستأذنون حتى الإمام والمؤذن، فتجدهم يستبدلون على سبيل المثال (برادات المياه) دونما إذن، وربما كانت صالحة، أو تحتاج إلى صيانة يسيرة، وهم جمعوا بهذا التصرف خطأين، الأول: التعدي على حق المتبرع الأول وإزالته، الأمر الثاني: الإسراف وإتلاف (برادة) ربما تكون صالحة، وهدراً للأموال في غير محلها.
أسوق هذه الملحوظات قبيل شهر رمضان المبارك، وأعود لما بدأت به، لأن الملحوظ الاستنفار الكبير من الجميع قبيل هذا الشهر، وتفقد احتياجات المسجد، والتنافس بين الجماعة وكل منهم يريد السبق، حتى ولو كان الأمر في إتلاف الصالح، وليس إصلاح التالف، وكثيراً ما رأينا برادات مياه متناثرة بجوار المسجد، وفرشاً بحالة جيدة تم استبدالها، وهكذا، وكأن هذا العمل يدخل فيما اعتدنا عليه مع الأسف في شهر رمضان في الإسراف في المأكولات، ليمتد إلى مساجدنا ويطالها هذا الأمر، بل والعجب أن تجد الأنوار والمكيفات ودورات المياه في بعض المساجد معطلة لعشرة أشهر، ولا يلتفت إليها إلا في هذه الأيام، بل ويطال التغيير الصالح والتالف على حد سواء.
وختاماً.. أؤكد على الإخوة المتبرعين، والأئمة والمؤذنين، برسالة جميلة وصلت إليَّ تقول: (تهيئة المساجد وتعاهدها بالصيانة والنظافة من أعمال البر لا سيما في رمضان، والقيام بأمرها من وظائف الأنبياء {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}، وينبغي التنبيه إلى مراعاة القدر الشرعي المطلوب، وعدم التجاوز بالمغالاة والإسراف والتباهي، أو بالتعدي على الأدوات الموقوفة بالتغيير مع صلاحيتها للاستعمال. والله ولي التوفيق.
alomari1420@yahoo.com