Al Jazirah NewsPaper Thursday  21/08/2008 G Issue 13111
الخميس 20 شعبان 1429   العدد  13111
زمن الوقوف
عبدالعزيز عبدالرحمن اليوسف

تسوقنا الحياة بتدبير الله عز وجل إلى أن نخوض في كل مناحيها واتجاهاتها، فنقابل أناسا مختلفين، وبشرا مميزين، وخلقا متشابهين.. وآخرين فنختلط بهم ويختلطون بنا ونتبادل مصالحنا معهم وانفعالاتنا وتصرفاتنا فتتكون شخصياتنا من مواقفنا معهم وتجاربنا معهم وخبراتنا فتحدث الاختلالات وتكثر الشوائب داخل أنفسنا. وما يلفت الانتباه إصرارنا الواعي أحيانا على خوض أرض غير ممهدة من قبل ومخالفة الواقع والثابت حولنا دون أن ننظر إلى داخلنا بصدق من هنا نحتاج الى شيء مهم يجعلنا نعيد توازن أنفسنا وإعادة صياغة ذواتنا.

في دواخلنا قد نسمع الصخور وهي تتكلم، وتصرخ وتقيم حواراً كرموز تستحث مناطق ما في خيالنا موجودة في عمق كل واحد منا وهي في كل الأحوال محاولة الآن نصرخ بصوت السكوت. هنا فقط من خلال هذا الشيء المهم يمكننا التسلل إلى أعماق النفس عبر مخاطبة اللاوعي، بمنطق المغاير يطرح تساؤلات بصورة مستمرة وغير مباشرة فيمثل ذلك تحديا للنفس كنوع من التشكيل النفساني الجديد.. اقتربوا وأنصتوا!!

أحيان تفتح نافذة من زمن الوقوف أمام ذواتنا وفي كل حين نرى بوضوح أكثر فتكون الصورة التي قد رناها في قمة وضوحها وتكون صورتك أنت أو هو، نحن نخاف أن نرى أنفسنا أو نوجه رؤيتها لكن جميلا أن نكتشف أنفسنا من خلال الآخرين، فقد تجد نفسك منفتحا في زمن انغلاق او منغلقا في زمن انفتاح، قد تكون معزولا في الزحام ومنطويا في زاوية غريبة او في حالة انهزام بدون معركة ولا ندري ما سبب انحسارنا التام عن الآخرين.

دوما نردد العاقل خصيم نفسه ونحتاج الى تلك المرآة التي تكشف خفايانا التي نعلمها قبل التي نجهلها فتزداد الرؤية وضوحا يفوق النظر لنميز الأصح من الخطأ. نعم تلك المرأة التي سنجادلها بشأننا حين نكتشف دواخلنا من الآخرين الصادقين العقلاء، وحتى نرى جيدا لابد من مسح وتنظيف وتلميع المرآة حتى لا تعيق الشوائب امتداد البصر ولا تختلط بقايا الأغبرة بالنظر.

كم منا يحتاج للوقوف أمام المرآة وخلف روحه ليكتشف نفسه قبل ان يتعرضه الآخر بالكشف فيتعرف على ماهيته، وأخطائه وأخلاقه وسلوكه وكلامه ونضجه ويصل الى ماذا يريد كيف يريد؟ ويدرك ماذا عمل وماذا يعمل ويفهم الحقيقة قبل الخيال والصواب قبل الغلط مؤكدا ان تلك المرآة ستقول له أشياء مختلفة في زمن وعالم مختلفين بعقلية مختلفة.. من منا جد واتقد يبحث عن المرآة المناسبة له ليتوصل الى حقيقته.. كم من المرايا لا نعيرها انتباها إلا عند الزينة عندما تكشف لنا بعض عيوبنا الشكلية وكم من المرايا نذهب اليها ونقصدها لنصلح من اشكالنا وملامحنا ونعدل في زينتنا وكم من المرايا نحملها في حقائبنا وفي حاجياتنا لكي نتمعن فيها صورنا ونعدل ما نستطيع تعديله من شكليات وملامح شائبة زائلة. بعد هذا كله نحن وكثير منا نتجاهل ان نحمل مرايا تكشف ما بداخلنا وتعرفنا بعيوبنا الداخلية ونتجاهل قيمة المرايا الحقيقية في حياتنا وننتظر الآخر يكتشفوننا ثم نغضب او نعتب او نتضايق مع ان الناس المخلصين الناصحين لنا هم المرايا الحقيقية لنا لكننا لا نستطيع حملهم في جيوبنا او حقائبنا او مستلزماتنا.. والمسلم مرآة أخيه المسلم.

حقيقة ان من الضرورة ان نبدل مفاتيح المعرفة بذواتنا بمفاتيح جديدة نقية، راقية، دقيقة حقيقة، صادقة، صريحة.. لابد ان نصنع مكونات مرآتنا الداخلية من سمات إيماننا، وبمادئ ديننا ونضج عقولنا وحركة ضمائرنا وأنفسنا المطمئنة وذواتنا الساكنة اعصابنا الهادئة ولنحمل تلك المرآة على معالي عقولنا وفي ساحة بصيرتنا ونعلقها على جدران افئدتنا وسنجد تلك المرآة تعيش داخلنا ونعيش داخلها ونرى بها وبوضوح من نحن؟ أمام الآخرين وخلف أنفسنا.

آخر القول علينا وعليهم ان يواصلوا الوقوف وعليهم ان يتخلصوا من وهم القدرات ووهن التردد الذي يسيطر، فصناعة شخصية مقبولة وجديدة وجيدة لا تحتاج سوى الى روح متوثبة عاشقة لهذه المرآة ولا ينبغي ان نتوقف ويتوقفوا بعيد عنها فالفكرة أكثر بساطة وتجريدا وأكثر عمقا وتركيزا، ولها علاقة بالنفس البشرية وعلى الانسان ان يجرب بكل القوالب تختلف والتجريب بإذن الله لابد ان يأتي بشيء جديد ومغاير وصالح ومرضي لله أولا ثم للناس، وعليه ألا ينطلق من صفة ملتصقة به وسابقة لأننا عندما نلتزم الأنماط التي أسست لها شخصياتنا المائلة، فإننا لا نقدم جديداً ولن نتقدم فاحرصوا على اختيار مراياكم وتنقيتها من الشوائب لتتعرفوا على الكثير عنكم وكونوا مرايا صدق ومحبة لغيركم يكونون مرايا لكم..




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد