فقْد الشهية العصبي
Anorexia Nervosa
* السلام عليكم ورحمة الله:
أكتب لك يا دكتور بمشكلة لا تخصني أنا بل تخص أعز صديقاتي وعمرها 20 سنة، فهي من فترة أصبحت مهووسة جداً بالريجيم وبرامج التخسيس لدرجة أنها أصبحت نحيفة جداً بشكل غير مناسب أبداً.. وبحكم قراءتي واهتمامي بمواضيع علم النفس صارحتها كثيراً بأنها تبالغ في إنقاص وزنها واعترفت لي أنها سبق أن دخلت المستشفى أكثر من مرة بسبب ذلك.. لا أعرف كيف أساعدها وهل هي في حاجة لزيارة طبيب نفسي، وكيف أقنعها بذلك؟
- أختي الكريمة أولاً أشكرك على اهتمامك بصديقتك وهذا إن دل فإنما يدل على سمو ورفعة أخلاقك. الوزن هو موضوع ذو شجون عند الكثيرين في هذا الزمن وخصوصاً الفتيات.. ولا شك أن لوسائل الاعلام دوراً مؤثراً جداً في ترسيخ مفاهيم عميقة مبالغ فيها أحياناً عن الوزن المثالي والجمال.. رغم أن المظهر الخارجي والقبول من الآخرين هو قضية نسبية تختلف في تقييمها من شخص لآخر.. بالتأكيد لا يمكن الجزم بمعاناة صديقتك من أعراض نفسية ما لم يتم إجراء تقييم نفسي متكامل لها.. ولكن بشكل عام أقول إن نسبة من الفتيات في هذا العمر قد تبدأ باتباع نظام حمية قاسٍ لدرجة أنها تفقد معه حتى الوزن الصحي الملائم لطولها، وفي حالة نقص الوزن لمستوى أقل من 85% من الوزن المطلوب فإنها قد تتعرض لمشاكل صحية خطيرة من أهمها الجفاف الشديد واختلال توازن الأملاح في الجسم وهو الأمر الذي ربما أدى سابقاً لدخول صديقتك إلى المستشفى.. وحين يتم تقييم الأفكار والمعتقدات الخاصة بالوزن لدى هؤلاء نجد أنهم يعتقدون عكس ما يظنه ويراه الآخرون، أي رغم النقص الحاد والواضح في الوزن إلا أنهم يشعرون أن وزنهم لا يزال فوق المطلوب وهو ما يفسر السلوكيات المصاحبة لذلك من القيام بتمارين رياضية شاقة ومتعبة جداً والامتناع عن جميع المواد الغذائية المحتوية على نسب عالية من السعرات الحرارية، وهم في العادة بارعون جداً في معرفتها ربما أكثر من إخصائيي التغذية أنفسهم.. أما إذا حدث وتناول مثل هؤلاء وجبة غذائية معقولة في أحد الأيام فإنهم عادة يشعرون بالخطأ والذنب ويسرعون للقيام ببعض التصرفات لتعويض ذلك كالقيام مثلاً باستفراغ ما في بطونهم عمداً أو ممارسة التمارين بشكل أكبر.. يطلق على مثل هذه الحالات في الطب النفسي مسمى Anorexia Nervosa أو فقد الشهية العصبي اصطلاحاً، ويقابله أيضاً الخوف المرضي من زيادة الوزن حيث تعتقد الفتاة أن وزنها الحالي مناسب لكنها تشعر بخوف عميق من زيادة وزنها في المستقبل فتسعى بكل قوتها لمنع ذلك مما يؤدي أحياناً إلى حدوث العكس، أي نقص الوزن بدرجة قد تؤدي إلى خطر حقيقي على الصحة.. قناعة الشخص بحاجته للاستشارة النفسية أمر أساسي هنا والطريق إلى ذلك هو إحساسه بوجود خطأ أو خلل ما لديه، وهنا يأتي دورك في توضيح ذلك لصديقتك ومواجهتها بحقيقة سلوكها الخاطىء وحاجتها لزيارة طبيب نفسي لمنع تفاقم مشكلتها التي قد تؤدي -لا سمح الله- إلى خطر حقيقي يهدد حياتها.. وفي العادة يقوم الأطباء بمختلف تخصصاتهم بتحويل الحالات المشابهة عند دخولها للمستشفى إلى الطبيب النفسي لتقييمها ومن ثم إجراء بعض جلسات العلاج النفسي المبدئية التي تركز على إعادة تحديد مفاهيم الوزن والجمال Reframing of concepts of weight وكذلك فهم المخاوف الأساسية والمعتقدات العميقة التي ينطلق منها سلوك الشخص.. شكراً لك.
قضم الأظافر ونتف الشعر
* دكتور محمد اليوسف.. بعد التحية:
لي بنت تبلغ من العمر 16 سنة عانيت معها كثيراً بسبب عادة شد ونتف الشعر، كانت بسيطة في البداية لكن من حوالي 4 أشهر أصبحت تنتف شعرها حتى ظهرت بقع واضحة في رأسها أصبحت أخجل وهي تخجل من نفسها، تتجنب الجلوس مع الضيوف وتحب العزلة من سنوات وتأكل أظافرها، أحس أن عندها ما تسمونه رهاباً اجتماعياً.. والله يا دكتور أنا لا أضربها وكل من في البيت يتعاملون معها بلطف ما عدا أبوها أحياناً يكون قاسياً معها لأنها هي أيضا عصبية جداً.. استخدمت كل الطرق معها ولم أنجح حتى المناسبات أتهرب منها الآن بسببها.. ماذا أفعل أريد حلاً؟
* أختي الكريمة من الواضح أنك تعانين كثيراً - أعانك الله - مع ابنتك خصوصاً أنك كما ذكرت أصبحت تتجنبين المناسبات بسببها ولكن هذا ليس حلاً أبداً.. بل هو في الحقيقة نوع من الهروب من مواجهة المشكلة.. أعتقد أن ابنتك بحاجة لزيارة طبيب نفسي فالمعلومات التي ذكرتِها غير كافية وإن كانت تعبر عن شخصية انفعالية متوترة ولديها قلق اجتماعي.. الإنسان بطبعه كائن اجتماعي وهذه سنة من سنن الله فيه ولا يمكنه العيش منفرداً وإذا حدث ذلك فإن النتيجة في الغالب ستكون سيطرة الهواجس والقلق عليه.. ما تصفينه من سلوكيات قضم الأظافر ونتف الشعر فهي تعبر عن توتر وقلق بالدرجة الأولى، وكل إنسان لديه نمط خاص في التعبير عن الضغوط التي يواجهها، بعض هذه الأنماط تكون معتادة من الطفولة المبكرة كقضم الأظافر مثلاً.. أما نتف الشعر بحدة فهي عملية تمر عادة بثلاث مراحل نفسية بالتسلسل التالي:
أولا: الشعور بالتوتر الشديد والقلق، قد يكون ذلك عند وجود ضيوف في المنزل وإحساس البنت بوقوعها تحت الضغط نتيجة شعورها بعدم الكفاءة الاجتماعية وفقدانها للمهارات والثقة المطلوبة في مثل هذه المواقف.
ثانياً: اللجوء لشد الشعر كوسيلة غير ناضجة وتلقائية للتعامل مع الشعور بالتوتر يصحب ذلك إحساس حقيقي مؤقت بالارتياح والانفراج نتيجة القيام بردة فعل بغض النظر عن صحتها من عدمها، وكذلك نتيجة الشعور بالألم أثناء شد الشعر الذي يعقبه شعور بالتنفيس والارتياح.
ثالثاً: يعقب هذا النمط السلوكي شعور عميق بالخطأ والندم ورغبة في عدم معاودة ذلك، لكن الأمر ليس بالسهولة التي نتصورها ما لم يوجد دعم حقيقي وشرح مفصل لهذه الحلقة المتشابكة وطريقة كسرها والتعامل معها.
هذه المراحل الثلاث من نتف الشعر ذي المنشأ النفسي يُطلق عليها طبياً اسم Trichotillomania اصطلاحاً.. أعتقد أن ابنتك بحاجة إلى برنامج متكامل من الدعم النفسي أولاً مروراً بالتوجيهات السلوكية الاحترافية لكسر النمط الذي تتبعه حالياً وتدريبها على مهارات أكثر وعياً ونضجاً للتعامل مع ضغوط الحياة بما في ذلك المهارات الاجتماعية اللازمة وتدعيم الإحساس بقيمة الذات لديها، وربما تحتاج لأحد أنواع الأدوية النفسية الآمنة وغير المسببة للإدمان أو التعود كنوع من الدعم الإضافي لها خصوصاً في المراحل الأولى من العلاج.
أسأل الله لك ولابنتك الصحة والتوفيق الدائم.
* إضاءة: من تواضع لله رفعه.
****
زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم.
دكتوراه في الطب النفسي
كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض
e-mail:mohd829@yahoo.com