يعبر الحالمون إلى قلبك, كقصيدة كتبتها على أجنحة الفراشة، وتركته عند آنية الفضة، فاكهة للندى.. للناي.. للورد... وعلى ضفاف قلبك الشديد الاخضلال تنبت زهرة الشعر، ويسيل دمع الحنان, ماء الشعر, ولأنه قلبك, تركتنا نحفظه عن ظهر قلب، ذلك المكان المخصص - مستودع الأحاسيس والمشاعر.. تعب شريانه ولم تتعب القصيدة المطرَّزة, بلغة الحب والعدل والحرية والإنسانية.
تعب قلبك كما تعب بالأمس قلب الشاعر نزار قباني، إلا أن شعره النضير يزداد شباباً, ولم يتعب.. وكما تعب جسد المفكر إدوارد سعيد إلا أن أفكاره ما زالت في حيويتها أكثر ألمعية.
قلبك حلمك، شعرك.. يرقد كلؤلؤة في محارة على قطن من نسيج إلهي, مجروح يمسه القرنفل.. مغسول بالضوء والجمال المتوج بأكليل الشعر العظيم.. ثمة من يسأل: أي قلب قلبك؟
عندما نقرأ قلب شاعر عربي كبير بحجم محمود درويش نقرأه من أول السطر إلى آخره حين يفوح بمسك الكلام والختام. أنه العاشق بقلبه ليكون جواز سفر مرور الشعر إلى الجمهور.
الآن قلبك بحاجة إلى قلبك كي نعبر إليه ونحن نحفظ أسماءه، قلبك الحنون, الحليم, الحميم, الحبيب, الذواق، الجميل، الإمتاع، الإبداع, الصادق, الشفاف, الأمل, الساحر، والمسحور، قلبك الحياة، النشيد, الصبر، الحزن, الجمر, المنفى، الذكريات تعيش في قلبك..
قلبك لوزة بين أنامل (آذار طفل الشهور المدلل).
قلبك وطن الشعر يفتح باب الأبدية.. الخيال, والحكمة، الضمير والوجدان.
قلبك والسهام.. الماضي.. الحاضر.. المستقبل, ودرب الآلام.
قلبك يستحيل إلى لغة تنحت ذاتها بذاتها وتلتحم بذاتنا كي تصل إلى نبوءة حضورنا ووجودنا على هذه الأرض.
في البدء كان قلبك، وسيبقى قلبك الجليل, القدس, العواصم, والمدن: حيفا.. عكا.. الناصرة.. دالية الكرمل، تعرش على قلبك وبيت لحم ورام الله ونابلس.
قلبك الجنوب اللبناني والجولان، كل العواصم قلبك منذ أن لاحت نجمة بيروت, ودمشق والقاهرة وبغداد وعمان وصنعاء والجزائر وتونس والدار البيضاء والرياض, المحيط والخليج, باريس النور.. لندن.. بروكسل.. هافانا والهند والأندلس وغرناطة وأقواس قشتالة والحضارات تشغل قلبك...
قلبك وصوت فيروز، مسحور عند كمنجات أندلسية وفي سماء غجرية وعند غيتارة إسبانية، قلبك قافية من أجل المعلقات, من روميات أبي فراس الحمداني إلى امرئ القيس والمتنبي..
قلبك الحنون على تعاليم حورية.. (قلبي على ابني وقلب ابني على الشعر) يأخذ من لون النرجس التدابير الشعرية.
قلبك والبئر ورؤية يوسف القرن العشرين والعنقاء والزمن الآخر.. الآخر الغريب عندما يبتعد عن قلبك بعد أن تنهار أزرار سترته العسكرية اللامعة، وكما تريده أن يبتعد (الغريب - المحتل) كي يفسح طريقاً للأغاني والأناشيد التي صنعها قلبك.
قلبك المسافر مع حصان لم تتركه وحيداً.. قلبك هناك مطرز برائحة القهوة والهال يحكي على أبواب قيصر مأساته.. قلبك عند امرأة مسها القمر فراحت تحلم القصيدة بك مع أناشيد الصباح وبصورة أنات الكنعانية..
قلبك والخرائط المشتعلة على رماد الحقيقة والثلج أبيض على قلبك..
قلبك والجمهور يدخله مع أبجدية اللازورد حتى وإن ضاقت الأمكنة، يتسع قلبك للقصيدة، وأنت تعلق العبارة والرؤية على خاصرتها، فأنت الواقف والعارف.
ندخل إلى قلبك المعذب.. ثمة طفل يقيم في حديقة قلبك المفتون الجامح.. الهادىء.. يستكين للعصافير بعد أن اتخذت أعشاشها منه.
قلبك المعمد بالنور تركته عند امرأة تقود النار في الغابات وامرأة تعيد الماء للينبوع، وتسرح قمراً غافياً في قلبك، حين نسيته عن قصد في يد فتاة دمشقية، ثم عدت لتزور قلبك.
قلبك الشفاف أطلقته إلى فضاء اللانهاية ومن الوريد إلى الوريد أسكنته ملحمة شعرية.
قلبك الذي صنع وطناً من الشعر تقيم فيه، وتتأمله من بعيد ومن قريب وتنتمي إليه كما انتمت فلسطين بأكملها إلى شعرك...
قلبك والكمال ينوس بين المنتمي واللامنتمي، لتكون القصيدة إلياذة ومعلقات، وجدارية فلسطينية تحكي تراجيديا الإنسان الحالم.
قلبك في آخر قصيدة كتبتها كان حزيناً، ربما لاحت لك رؤية مشهد الوداع ورحلة الموت... ربما كنت تتحسس الموت كل لحظة وتطلق تأملات أخيرة.
قلبك ينام مع الأبدية ويستريح من رحلة البحث في المستحيل، رحلة الخلود الشعري الذي حاكه قلبك.
قلبك الشاهد والمشهد...
قلبك والمجد.. يا لعذوبة قلبك..
ترى ألم يكتب الشعر أسطورة قلبك..؟!
ماهر اليوسفي - كاتب فلسطيني