الجزيرة - محمد المنيف:
خلود محمد البقمي فنانة تشكيلية حاصلة على بكالوريوس تربية فنية عام 2005م.. تحضِّر حالياً لرسالة الماجستير في التربية الفنية تخصص نحت.. وهذا هو مربط الفرس أو بيت القصيد في حوارنا معها اليوم، فنانة تعي ما تقوم به تجاه إبداعها علماً وثقافة وتجربة في التقنيات والتعامل مع الخامة وكيفية تسخيرها للفكرة، الفنانة خلود اسم قد لا يراه البعض ممن تنقصهم المتابعة ورصد الساحة واكتشاف أصحاب القدرات الحقيقية بينما نحن نجزم بأنها تستحق أن تكون ضمن الأبرز والأكثر إلماماً بإبداعهن من بين من لهن حضور في الساحة إلا أن ظروف دراستها قللت من عطائها الذي ساهمت به في ما يزيد عن ست وعشرين مشاركة في مناسبات ومعارض ومسابقات منها الرسمي ومنها الخاص، مع ما لها من دعم وتواجد في عضوية العديد من المجموعات أبرزها عضو مؤسس في الجمعية السعودية للفنون التشكيلية وعضو بيت التشكيليين وأصدقاء الريشة، هذه الفنانة التي تحضر كموسم المطر لتضفي بإبداعها جديداً في كل مشاركة تساهم فيها قد يكون في غيابها ما يدفعنا لأن نتعرف عليها أكثر ونسعد أن نقدمها في حوار أقل مما نطمح فيه.. لكن المساحة والوقت كانا لنا بالمرصاد، اليوم استطعنا أن نقتنص شيئاً من عالمها إيماناً منا بأن الإعلام جزء هام في تشكيل مثلث المبدع كونه يشكل ضلعه الثالث وهو الجمهور، إذاً دعونا نبحر معها ونستعرض ما منحنا منها من إجابات على تساؤلاتنا.
النحت يتطلب جرعة من الإقدام وخوض غمار التجربة
النحت والمرأة
* سألنا خلود عن تخصصها في النحت كيف ترى هذا التوجه رغم صعوبته على المرأة؟
- قالت: اختياري لفن النحت أتى من اهتمامي الكبير به فكان وما زال يشكل لي علامة استفهام هي التي قادتني إلى أن أتوجه إليه بالرغم من أن مشاركاتي في المعارض تقتصر على اللوحة التشكيلية التي كان استخدامي للون فيها يقرب من الريليف, فالنحت فن يفيض بالكثير ورياح التجديد فيه لا تهدأ ولا تستكين وسنظل نصف كل ما نجهله بالصعوبة, فنحن بحاجة لأن نتناول جرعة من الإقدام ونخوض غمار التجربة لنعلم أن بالمعرفة والممارسة واكتساب الخبرة ستندثر الصعوبة من قاموس إبداعنا.
* وعن اتجاه الكثير من النحاتين إلى استخلاص الجمال من الكتلة الصامتة وعن كيفية تشكُّل الفكرة لديها وما الذي يتحقق منها بعد التنفيذ؟
- قالت: الفكرة لا تأتي من فراغ وليست رهينة الصدفة غالباً ما تأتي ملامحها في ذهني مرتبطة بشكل مألوف في عالمي ورؤيتي تكبر أثناء العمل وتظهر بملامح مختلفة بتوقيع العمل, بعد التنفيذ أجد بها شيئاً كان حلماً وأصبح واقعاً يعكس زاوية لشعور ما أو مكملاً لحديث تردد صداه بين أحرف شاعر وأسطر أديب وأرصفة المجتمع فقد تمد جسورها لتجد من يتواصل معها ويتذوقها كما هي وقد تجد من يرفضها ويختلف معها وقد لا تحرك شيئاً.
* وأتبعنا السؤال بآخر حول الكتلة والفراغ في قطعة النحت وتحكُّم الفضاء فيها وعن كيفية سيطرة الفنانة خلود عليها خصوصاً إذا كانت القطعة صغيرة؟
- قالت: الفضاء العام هو من يرسم شكل المنحوتة فقد يكون فضاءً متصلاً بالعمل أو نافذاً من خلاله وقد يكون مصمتاً, كبرت المنحوتة أم صغرت فهي تبدأ بكتلة تحيط بالفراغ وفراغ يحيط بالكتلة بالتجربة والخبرة.. أتعلم أن أبني حلقة وصل بين جميع الأطراف بشكل متزن.
خطوات تسبق التنفيذ
* وعن أن تنفيذ قطعة النحت يسبقه فكرة وتخطيط على الورق وهذا يحتاج لخبرات سابقة في الرسم والتصميم وكيف ترى هذا الأمر؟
- أجابت الفنانة خلود: الفنان المبدع يشبه قطعة الإسفنج قد لا يكون بحاجة إلى أن يمسك ورقة وقلماً طوال الوقت ولكن بحاجة لعين لاقطة وذاكرة حافظة, يلتقط بها رؤية مختلفة عما يحيط به لينثر كل ذلك عبر أعماله التي يدعمها باطلاع واسع للفن بمختلف توجهاته وبإثراء لثقافته الفنية بما يستجد من أدوات وتقنيات وأساليب واتجاهات حديثة يمزجها بتمكنه من أسس ومبادئ التصميم فهي الدعائم الرئيسة لإنتاج عمل يستحق أن ينال رتبة عمل فني.
* وعن تعدد خامة التنفيذ في أعمالها بين نحت مباشر في الخامة وإعداد قوالب يسبقها تشكيل للعمل وعن أيهم يشعرها بالتواصل مع العمل.. وعن أقرب الخامات إليها؟
-أجابت: مهما تعددت الأساليب يظل لكل عمل رحلته الخاصة فأميل للمنهج التجريبي في العمل الفني فمن خلاله أتعلم أين أخطائي وأين نقاط القوة في تمكني من التقنية والأسلوب.. فبنهاية كل عمل هناك دروس مستفادة هي بوابة لبدء عمل جديد يحمل ذات الإمضاء ولكل خامة ما يميزها في العمل والأداء.. البداية مع الطين في نحت ملامح العمل ومن بعد المعادن هي الأقرب باختلاف أنواعها سواء كانت من النحاس البرونز, الحديد.
* وفي سؤال عن ما يُقال عن أن النحت تخصص يحتاج لقوة جسدية وماذا ترى في تمكُّن التشكيليات عالمياً وعربياً ومحلياً في هذا المضمار؟
- تقول خلود: القوة الذهنية والإبداعية هي الحد الفاصل بين مختلف الفنون وفي ضوء الثورة الصناعية والتكنولوجيا الحديثة التي وفرت وهيأت الكثير من التقنيات والأدوات التي تنتظر من الفنان أن يستفيد منها بشكل صحيح لم يعد هناك مجال لحصر مجال من الفنون لجنس دون آخر أو رهن بقوة الجسد فالإبداع وحده هو سيد الموقف. والمرأة بشكل عام قد أثبتت تواجدها في هذا المضمار بشكل جداً مميز واستطاعت أن تجد لنفسها مكاناً يعكس مستواها الإبداعي هناك عدة نحاتات نقش التاريخ أسماءهن بكل اقتدار: منى السعودي, لميا جمال وغيرهن الكثير.. وعلى المستوى المحلي ما زالت تخطو النحاتة بطموح جداً كبير رغم قلة الدعم وتلوث البيئة الإبداعية بالكثير من العوائق التي نتمنى أن تصفو وتزول بتضافر جهود الجميع لإيجاد ملتقيات لجميع أنواع الفن على مستوى متقدم تليق وترقى بأن نقف في مصاف الدول المتقدمة الداعمة للفن التشكيلي ونحن أهل لذلك فالوطن يملك الكثير من الموارد والكوادر المهيأة لحمل هذا الشرف.
توقف البعض بعد التخرج
* وحول توقف الكثير من التشكيليات بعد تخرجهن من الجامعة رغم تميزهن خلال الدراسة؟
قالت: باختصار من كان تميزه مرهوناً بحصوله على شهادة التخرج سيقف إبداعه عند ذلك ومن كان تميزه يسير في دروب الإبداع التي لا تعرف خط النهاية سيتحقق له ذلك بطموح يجدده بعمل دءوب وفكر مستنير.
* وعن الفرق بين تشكيل المعادن وبين النحت على الخامات المعروفة؟
- قالت الفنانة خلود: المعادن خامة من عشرات الخامات التي يستخدمها الفنان باختلاف مجاله وفي فن النحت قد تختلف طريقة التعامل معها بالتقنية والأسلوب ولكن ما يهمنا هو المنجز النهائي الذي سيصل به الفنان أن نراه يحمل ملامح منحوتة متميزة في الفكر والأداء بغض النظر عن خامة الأداء.
* وفي الختام سألناها السؤال المعتاد، ما الذي يلفت نظرها في تجربة النحت المحلية (ومن يلهمك من الفنانين العالميين؟)
- قالت الفنانة خلود مختتمة حوارنا لها إن تجربة النحت المحلية مميزة بلا شك لأنها استطاعت أن تشق طريقها بنحت حضورها المميز في الساحة التشكيلية بالرغم من غياب الدعم والافتقار لوجود ذائقة وثقافة نحتية لدى الكثير من الفنانين ساهم في اكتساح اللوحة التشكيلية لسيادة المعارض والمسابقات التشكيلية فنجد النحت المحلي قدم أعمالاً عكست مستوى فكر وإبداع الفنان السعودي بشكل يرتقي بأن يكون هؤلاء المبدعون قد نقشوا شيئاً من ملامح النحت السعودي الذي ما زال يحتاج الكثير ليأخذ مكانة أفضل من ذلك, وعلى المستوى العالمي كل عمل فني حمل في ثناياه فكراً معبراً وتقنية مدروسة بشكل جيد وأسلوب يرتقي بالمنحوتة ويرقى بمشاهدها هي بلا شك ملهمة لي.