ما إن سمعت في إحدى نشرات الأخبار التلفزيونية أن وضع محمود درويش الصحي بعد إجرائه عملية قلب مفتوح، في حالة حرجة، حتى علمت أنه سيموت لا محالة!. كل شيء فيه نضج حتى الموت، قلت.
كان لا يفتأ يصرخ: (أنقذوني من هذا الحب القاسي، أنقذوني من هذا العذاب) لكننا كنا نستعذب عذابه، ونطالبه بالمزيد، لم نساعده بأية طريقة، في أن ينقذ نفسه. وكنا كلما رأيناه يتعذب، قصيدة حب قاس تلو قصيدة حب قاس، كنا نزداد حباً له، ونزيد من جرعة عذابه.
كنا نحبه مهما فعل، كنا نصفق له وهو يلهث، كان ما إن يقف ليلتقط أنفاسه، حتى نطلق الصيحات نحثه على أن يعود وينطلق، لم نكن نسمح له بالراحة بين الأشواط فكيف لنا أن نسمح له بالانسحاب.
ليل نهار كان لا عمل له إلا الحب، ليل نهار كان لا عمل له إلا أن يكون معشوقا.. اسألوا النساء كم يؤلم هذا. ولم يكن له مهما نفث من الزفرات، ومهما تلوى من الألم، ومهما أطلق من صرخات، أن يبطل ما هو عليه، أن يخرج منه، ليس بسبب قلة حيلته، أو بسبب سوء فهمه وتقديره، فلا أحد كان له أن يعي حالته ويفهمها ويقدر عواقبها، وربما يلعب عليها، مثل محمود درويش، لكنه كان عهداً بالدم بيننا ليس بمقدور أحدنا أن ينقضه.
وهكذا.. رغم ما عرف عنه من وعي حاد، وذكاء، وشطارة.. كان محمود درويش خاسراً، خاسراً منذ البداية حتى النهاية، فلا بيت ولا عائلة ولا طفل.. وأيضاً لا وطن.
مات معذباً بكلِّ شيء.
منذر مصري
اللاذقية - 9/8/2008