Al Jazirah NewsPaper Thursday  21/08/2008 G Issue 13111
الخميس 20 شعبان 1429   العدد  13111
محمود درويش والفراشات

محمود أيها المغرد للوطن والزيتون وحضن الأم وخبزها وقهوتها ولمستها... محمود أيها المغادر عنا إلى رحمة ربك ستبقى في القلوب أنشودة دائمة الحنين للوطن، ولا أظن أنك آخر الفراشات التي تقتحم الضوء لتحترق في أتون نار الأعداء المعدة سلفا لكل عشاق النور والانعتاق من الظلام في وطن يكتنفه القهر والتوجس من الظلم والظلام، فلا عجب أن تقول:

(يا فراشة يا أخت نفسك كوني كما شئت، قبل حنيني وبعد حنيني

ولكن خذيني أخا لجناحك يبق جنوني معي ساخنا!

يا فراشة يا أم نفسك، لا تتركيني لما صمم الحرفيون لي من صناديق... لا تتركيني.

الفراشة تنسج من إبرة الضوء زينة ملهاتها الفراشة تولد من ذاتها...

والفراشة ترقص في نار مأساتها...

نعم ترقص في نار مأساتها مثل كل عشاق النور يتساقطون في أتون نار أعدت لهم سلفا وهم ينسجون خيوط الانعتاق ثم يتلاشون! إذا توجع أحدهم طار ثم سقط في تلك النار المتوقدة كلهم كذلك، السيد والمسود، القائد والمقود الذين يطمحون لأوطانهم بالصعود بثقة فوق خيوط الضياء وملامسة السحب، تتلقفهم قبل أن يبلغوا آمالهم أكف لها مخالب وأنياب تشحذ وتعد المشارط والإبر الملوثة بالضغينة فتمرغها في تجاويف أجسادهم!! أتعجب مثل غيري كيف يرمي عاقل نفسه في كفوف من يتمنى قطف أنفاسه بحرقة! أتعجب ممن يغزل خيوط النجاة للإفلات من حبائل أعدائه ويناضل للتحرر من قبضتهم - كيف يرتمي في مصيدتهم طائعا مختارا، متناسيا ما كان منه بالأمس.

في جهاده وعناده لهم ومكابرته تجاه مخططاتهم!، ثم يرتمي مثل الفراشة تماما التي تهرب دائما من الصياد وعندما تشتعل النار في الليل البهيم ترتمي طائعة مختارة بكل شجاعة المهزوم الحزين بين يدي الجلاد!، سوف أسرد بعض الرموز التي جلبها الضوء إلى حيث ينتظرها الحارس ليتلقفها بشغف ظاهره الشفقة وباطنه يعلمه الله.....

كلنا نؤمن بالقدر وبنفس الوقت نعمل بقوله تعالى بأن لا نؤدي بأنفسنا إلى التهلكة.

وأنت يا محمود عليك رحمة من الله ظللت سنين طوال تناضل وتنادي للنضال ضد من سلب وطنك لمسة أمك لك، وفي الأخير تسقط مثل فراشاتك التي تقول عنها: (الفراشة ترقص في نار مأساتها) وسوف يستمر هذا المسلسل ما لم تتداركنا رحمة من الله بالعودة إليه قبل العودة للوطن السليب.

علي بن محمد الحبردي



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد