Al Jazirah NewsPaper Thursday  21/08/2008 G Issue 13111
الخميس 20 شعبان 1429   العدد  13111

همسُ المعرفة يسمعه المُريد
د. عبد المحسن بن عبد الله التويجري

 

رأينا صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب متى وجد التجمع البشري أياً كان زمانه أو مكانه فالسائد في بداية أمر تجمعهم الفوضى والخراب، وعدلهم هو ما تحكم به الغرائز.

ومجتمع هذا حاله سيأكل بعضه البعض ليصبح عاجزاً عن بناء وطن ودولة بقانون ونظام، وحتى تستقيم الأمور فالبطل مطلوب، وهذا البطل قد يؤازره آخرون أو إنه ذلك الذي احتل الصدارة في قيادة هذا التجمع على طريق قيام دولة لها قانون ونظام، وافتراض آخر أن يتم هذا بالاختيار.

وفي الافتراض الأول فإن الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وكذلك من كان معه من الرجال مثال قد سجله التاريخ، وفي الافتراض الثاني تجربة الكويت حيث تأسست قيادة دولة في بداية عهدها باختيار أحدهم، ولقد كانوا مجموعة من الرحّل لأجل طلب الرزق.

وبتلك الوسائل تبدأ حالة أقرب إلى الاستقرار، فالدولة في سباق مع الزمن في صياغة الأنظمة والقوانين، والبحث عن مصادر للثروة في مجالاتها المتعددة، ومن خلال وقفة مع التاريخ فإن الدولة التي شيدها الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وصف الشاعر الكبير أحمد شوقي الفترة التي سبقتها في قصيدته التي منها هذه الأبيات:

ضج الحجيج وضج البيت والحرم

واستصرخت ربها في مكة الأمم

الحج ركن من الإسلام نُكبره

واليوم يوشك هذا الركن ينهدم

أي الصغائر في الإسلام فاشية

تودي بأيسرها الدولات والأمم

كفى الجزيرة ما جرّوا لها سفها

وما يحاول من أطرافها العجم

وأتمنى أن يدرك أبناء الجيل ومن في عدادهم لمحات من تاريخ بلادنا العزيزة والمجاهدة والمعاناة التي عاشها الأجداد ما بين جوع وفقر وحرمان، وفي الطليعة من هذا فقدان الأمن والاستقرار، فإن إدراك تجربة كتلك وهي مائلة بين أيدينا وتاريخها في معظمه معلوم ستلقي بالعبرة نابضة صادقة بكل وطوح وحيوية.

كما أن هذا يمكن في إضافته إلى مدارك أبناء الجيل المعرفة بنوعية الرجال من حيث العزيمة والقدرة والإيثار، ومن المصادر لهذا التاريخ كتاب (لسراة الليل هتف الصباح) لمعالي الشيخ عبدالعزيز التويجري - رحمه الله - وكتاب (تاريخ نجد) لأمن الريحاني، و(تاريخ شبه الجزيرة العربية) لخير الدين الزركلي - رحمه الله - و(السعوديون والحل الإسلامي) لجلال كشك يرحمه الله.

إن استعراض هذا العدد من الكتب تحتمه طبيعة التاريخ في سبيل المعرفة الحق، والمحصلة أن كثيراً مما يود أبناء الجيل معرفته سيقف على كثير من ملامحه في بطون هذه الكتب على أن يكون واضحاً أن البحث في التاريخ بطبيعته شائك وصعب رصده وإظهاره.

ولمزيد من المعرفة وبتكامل معقول فإن إضافة كتاب (تاريخ الكويت السياسي) لمؤلفه الشيخ خزعل - رحمه الله - وقراءته بجانب الكتب السابق ذكرها سيغني طالب المعرفة بقدر ما يتمنى، تلك أمنية لا يصعب على من هو حريص على المعرفة تجربتها، وحين يقارن من خلالها بين مكانه اليوم من الأرض، ومعاناة الأجداد بالأمس سيستوعب أسباب بعض من الرفاهية في الحاضر من الأيام والأسباب المضادة لمعاناة الأجداد.

إنها ليست دعوة أو توجيها للقراءة من أجل القراءة أو وعضا من علو غير أن الإلمام بعبرة التاريخ ذات عائد مباشر على تجربة الإنسان الآنية، وبالذات أن يكون هذا التاريخ موثقا، وحين يستعرض حال الوطن كيف كان وكنا وما صرنا إليه.

ستتاح له إمكانية المقارنة.

إننا نعتز بأمجادٍ سجلها تاريخ الرسالة والدولة الإسلامية، وهذا فخر لنا أن نحيط ما أمكن من تفاصيله، وإذا كان هذا صحيحاً فطالب المعرفة بالنسبة للوطن وتدرجه في زحمة أمم شتى سعياً للاستقرار والتطور قد يكون من الواجب بمكان وبالوسيلة إلزام أن نحيط بهذا التاريخ وعلى هامش هذا الموضوع وكمثال يجوز أن نذكر أن بعضاً منا يعتني ببناء الجسد دون محاولة من تأمل في النفس والعقل بما لهم من مخزون متداخل ومتشابكة مسالكه، وفي ذكر هذا وقياساً بالمعطيات التاريخية بشكلٍ عام، وأخرى لها طابع خاص حيث الوطن وأهله قديماً وحديثاً، وما يحتّمه هذا من السعي نحو أدق التفاصيل المرتبطة بالوطن حتى تقوى الأرض من تحت أقدامنا في سبيل حركة نحو المستقبل رجالها هم شباب الجيل.

إن البحث والتنقيب عن كل زاوية من زوايا المعرفة مكلف في الجهد، ومن حق من هذا طريقه أن يثمن له بكثير من الأمل نحو تطور الإنسان في داخله.

إننا في فترات عصرها بحكم متغيرات طرأت على أعراف وقيم المجتمع أصبح معه إنسان هذا العصر في قلقٍ ومعاناة وضعته في الفراغ الذي تداخلت أسبابه ومكوناته، وحتى لا يقف بنا الطريق ولا تستبد بنا مثل هذه الحالة فإن الإشباع الروحي والعقلي وقاية ومخرج إلى أفق أوسع وأرحب، والوقاية أمرها غاية في الأهمية بقدر ما تتشبع به النفس من الروحانيات، وفي هذا مانع من هبوطٍ يحل بنا بغير المشروع من الغرائز وسيؤدي إلى ضياع كل ما هو محط الاعتزاز، فهو رصيد لكرامتنا والحفاظ على تماسكه لا يتم إلا من خلال تلك المعطيات.

ومن التمس لنفسه العذر أو أهمل هذا الجانب فالقرآن الكريم في منهاجه وما يوجه به لا يعذره، فكل المفاتيح لإدراكٍ أعمق، ومعرفة راشدة قد أودعها الله في كتابه الكريم، ومن حاول أن يتعمق في منهاج القرآن الكريم فهو واجد وسيجد ما يغري ويلح بتلبسه، والتطبع به.

وبهذه المناسبة لعلنا نتذكر المعادلة التي بقدر عمقها وعظمة المعنى فيها فإنها المعادلة التي ينطبق عليها مفهوم السهل الممتنع، وأعني بذلك ما قاله الإمام علي - كرم الله وجهه: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) وانطلاقاً من ذلك فلا أحد منا مخلد، فمهما كان لحاف الغفلة لا بد أن نستمتع بالحياة وما فيها من جمال (لن يطول مداه)، والأجمل منه حياة الخلود بكامل تفاصيلها ما نعلمه منها وما نجهله.

وفق الله الخطى، وسدد على طريق الخير وسائل البصر والبصيرة وهو العزيز الكريم.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6383 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد