أحياناً يحتاج الكاتب إلى بعض المقالات القصيرة التي تحمل في طياتها بعض الرسائل المباشرة والمحددة بفكرة معينة، لتكون بمثابة استراحة، خاصةً أن بعض أفكار المقالات قد تموت في مسارات الإطالة الكتابية.
.. كما أن تأجيلها قد يقضي على فكرتها لارتباطها بالعامل الزمني؛ لذا أضع بعض المقالات القصيرة بدايةً من إسبانيا..
الجديد في حوار مدريد
ليست المرة الأولى التي تقوم فيها المملكة بخطوة حضارية في سبيل وحدة الأمة وتعزيز نهضتها، من خلال العمل على صياغة مشروع إسلامي ذي بعد إنساني، فيكفي أنها رائدة التضامن الإسلامي في أزمنة التيارات القومية والبعثية والشيوعية، والفاعل الرئيس في ما يعرف بحوار الحضارات وتلاقح الثقافات، لهذا جاء المؤتمر العالمي للحوار الإسلامي في (مكة المكرمة)، الذي رعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في سياق هذا التوجه الريادي، خاصةً أن أهدافه لم تقف عند إشاعة ثقافة الحوار، التي تعتبر قيمة أصيلة في تراثنا الحضاري الإسلامي، إنما برزت أعظم أهداف مؤتمر مكة بتأسيس (مرجعية للحوار الإسلامي مع الآخر)، هذا الآخر الذي يتشكل من ثقافات مختلفة وشعوب متنوعة وعقائد متعددة، الأمر الذي يتطلب أن يعي المسلم واقع الحال وحجم المسافة بينه والآخر، وكيف يؤسس لشراكة إنسانية حقيقية معه دون أن تلغي هويته الدينية أو تؤثر في ثقافته الإسلامية أو تصادر مكونات أمته، التي تجمع اللغة والأرض والتاريخ، وعليه جاءت مشاركتنا في حوار أهل الأديان في مدريد عاصمة إسبانيا في وقتها وأهميتها؛ لأن هذه المشاركة تشكل تحولا محوريا في دورنا المرتقب في بناء الحضارة الإنسانية، خاصة أن الجديد في حوار مدريد هو اتفاق أهل السياسة على مستوى العالم على أن (العامل الديني) هو عامل الحسم في العلاقات الإنسانية والدولية والحضارية، سواء كان حسما إيجابيا أو سلبيا، وأن ما تفسده السياسة يصلحه الدين.
التوحد في مواجهة (التوحش)
الضربة الأمنية السعودية الأخيرة لبؤر الإرهاب، التي نتج عنها اعتقال مئات الإرهابيين، كاشفةً مخططاً إجرامياً خطيراً يستهدف الوطن باسم الدين، مع مصادرة أموال وأسلحة تصنع الفوضى وتشيع الخوف وتزعزع الأمن، فضلاً عما وقع في أيدي رجال الأمن من كتب ضالة ومؤلفات فاسدة تمثل زاداً فكرياً لتلك الجماعات، فتوقظ الخلايا النائمة في مخادعها، لتحولها إلى عناصر إرهابية تكون وقوداً لخطط البغي وأعمال الإجرام في سحق الحياة وتدمير الحضارة، من تلك المؤلفات الضالة كتاب (إدارة التوحش)، الذي يضع التصور العملي لأتباع القاعدة وغيرهم من الإرهابيين في إدارة الواقع في مناطق التوتر، من خلال إشاعة الفوضى واستغلال اختلال الأمن. ما يعني أن أفراد المجتمع ووصولاً إلى كل الأمة مطالبون ب(التوحد) لحفظ (الدين) من اختطاف أهل الضلال، ولحفظ (الأمن) من دعاة البغي والعدوان، وحفظ (الأرواح) من أهل التكفير والتفجير، فالمسؤولية الأمنية لا تقع على أجهزة الداخلية وحدها بل كل مواطن هو مسؤول حسب قدرته وعلمه.
سماء حائل خالية من (سما)
نجح طيران (سما) الذي دخل الخدمة مؤخراً، في تحقيق قفزات نوعية في مجال التشغيل والتسويق، فالمتابع لجريدة (الجزيرة) تحديداً خلال الفترة الماضية، يلحظ التغير المشار إليه لدى هذا الطيران الجديد في أجوائنا السعودية، سواءً على مستوى تعدد الوجهات والمحطات أو على مستوى العروض المغرية والمناسبة للطلبة والمرضى، لكن هذا النجاح يعتريه كثير من المنغصات، التي تتطلب معالجة فاعلة وسريعة من قبل القائمين على هذه الخطوط الجديدة، وهي مشكلة (الأعطال) التي تؤدي إلى إلغاء رحلات لأكثر من يوم كما حدث في محطة حائل أكثر من مرة، خاصة أن (سما) هي الناقل ما بين محطتي الشرقية وحائل، والسبب في الأعطال المتكررة، هي نوعية الطائرة المستخدمة في هذا الخط الجوي الحيوي.
الإعلام وتلميع الأعلام
من لم يشاهد اللقطات التلفزيونية لمعالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي وهو يقوم بخدمة زبائن أحد المطاعم في جدة، أو يشاهد صوره في الصحف المحلية، أو على الأقل يسمع بذلك من الأصدقاء أو العائلة أو زملاء العمل، ربما يعتقد للوهلة الأولى أن المسألة هالة إعلامية وراء شخصية مرموقة، خاصةً إذا كانت بمكانة وزير أو رجل أعمال كبير أو مثقف شهير، فما بالك بشخصية جمعت كل هذه الصفات، من وزارة وثقافة وأسرة عريقة في الأعمال والتجارة، لكن الحال يختلف مع الدكتور غازي القصيبي، فهو من أعلام الوطن الذين يلاحقهم الإعلام وليس العكس، كونه أنموذجاً واقعياً لتطبيقات قيم غائبة وأخلاقيات اجتماعية رفيعة، وفعله ينسجم مع حقيقة أفكاره التي يُفعّلها وزارياً للقضاء على (ثقافة العيب) التي عطلت كثيراً من طاقات شباب الوطن، خلاف من يبحث عن الإعلام لإبراز نفسه الغائبة عن العطاء الحقيقي بمسرحيات الجولات المفاجئة.
تحريم المسلسلات التركية
قد يتبادر إلى ذهن المشاهد العادي الذي تزاحمت القنوات الفضائية على شاشة تلفزيونه، فتعبت أصابعه من القفز على أرقام (الريموت كنترول)، عن السر وراء الفتوى التي صدرت مؤخراً بتحريم مشاهدة المسلسلات التركية المدبلجة باللغة العربية، التي تبث على إحدى القنوات الفضائية، بمعنى لماذا هذه المسلسلات بالذات؟ والسبب بتقديري أنها مسلسلات (غير مباشرة) في طريقة طرح الإعلامي وبث فكرها، وهنا مكمن خطرها، كونها تهدف إلى تمرير (قيم غربية) خطيرة تعمل على قلب منظومة القيم الاجتماعية، عن طريق الدعوة للعلاقات المحرمة خارج إطار الزواج الشرعي، من خلال قصص اجتماعية ومواقف حياتية تؤخذ من جانب أنها (طبيعية) في حياتنا، وأنها استجابة لطبيعتنا البشرية، بينما هي في شاذة أو منكرة، لأنها بالأساس صيغت وفق نسق الحياة الغربية وعلمنة المجتمع الذي ما زال المجتمع التركي المسلم يعاني منه، وهذه المسلسلات شبيهة بدرجة كبيرة بالمسلسلات المكسيكية التي تدور حول محور الجنس والمتعة والقبلة وصولاً لزنا المحارم.
kanaan999@hotmail.com