للعلماء مكانة سامقة كريمة يستحقونها بفضل ما حباهم الله به من التمكن في العلم وفهمه وتعليمه، وبالمسؤولية العظيمة التي يتحملونها في مواجهة الباطل ودعاته، والانحراف عن الحق وسبله وأسبابه، وهم منارات هدى وصلاح، بمواقفهم الصادقة الثابتة تستقيم الأمور، وتصلح الأحوال، ويسعد الناس ويطمئنون.
ومن هذا المنطلق، حري بالعامة من الناس أن ينظروا للعلماء نظرة تقدير واحترام وإجلال، ويتأكد هذا مع الخاصة الذين يعدون أنفسهم من أرباب الفكر والقلم، فمظنة القول أن المفكرين والمثقفين أدرى من غيرهم بأساليب التناول والتعامل، والتخاطب والتحاور مع الآخر، أيا كان مكانه ومكانته، فهناك حدود وخطوط لا يمكن تخطيها وتجاوزها في أدبيات الحوار والنقاش، وتتأكد هذه الحدود والخطوط عند التخاطب مع العلماء وعنهم في المجالس العامة والخاصة، ويزداد التأكيد عندما يكون الحديث عنهم في وسائل الأعلام، وأخص المقروء منها تحديداً.
إن احترام العلماء وإجلالهم، وتقدرهم حق قدرهم، أمر يجب الالتزام به فكراً وسلوكاً، لأنهم في مكانة تساوي في قدرها وقيمتها ما ندين الله به ونؤمن تجاه ولاة الأمر، ولأن للإخلال بذلك انعكاسات خطيرة، وله تبعات ومترتبات، يجب على العقلاء أن يأخذوها بالحسبان، وأن يضعوها نصب أعينهم خاصة عندما يتناولون موضوعاً أو رأياً أو موقفاً لهيئة كبار العلماء، أو يتحاورون مع أحد أعضائها من العلماء الأجلاء.
إن جرأة بعض الكتاب، وعدم التزامهم بآداب الحوار في مناقشة العلماء الذين يشهد لهم بصدق المواقف، ووسطية المنهج والفكر، أو التصريح بأنهم من دعاة التحريض على الإرهاب والخروج على العباد والبلاد، تعد نافذة ومسوغا للخارجين والباغين الذين يشككون في مواقف هؤلاء العلماء، وتأكيداً لصواب منهج البغاة في التلقي من الذين يسوغون لهم الخروج والبغي، لأنهم يرون في التقليل من شأن العلماء، مدخلاً لعدم الوثوق بآراء هؤلاء العلماء، ومن ثم الإعراض عنهم، وبهذا تفتح الأبواب مشرعة لتوسيع دائرة التلقي من مصادر تسويغ الفتن والتضليل والعدوان والبغي.
إن للعلماء منزلة يجب احترامها، ولهم مواقف وآراء يجب تفهمها وتقديرها، وإن اقتضى الأمر مناقشتها، فلا ضير، ولكن بخطاب يلتزم الآداب المرعية في التخاطب مع العلماء ومن في حكمهم من الولاة والقادة والمسؤولين، الذين ينبغي أن يحافظ على صورهم في أذهان العامة عالية كريمة مقدرة محترمة.
إن الأقلام التي لا تلتزم بهذا وتراعيه، تعد معول هدم، تسعى إلى إثارة الفتن، وإلى تشويه أحد الأركان الرئيسة التي قامت عليها هذه البلاد حرسها الله من كل مكروه، وزعزعة الثقة في مصادر التلقي المعتبرة، وتحطيم الصورة التي يجب أن تكون هي الأبهى والأنقى في عقول الناس ووجداناتهم، وهي بهذا تعد مدخلا رئيساً لزعزعة الأمن الفكري، والسلم الاجتماعي الذي طالما طنطنت هذه الأقلام على الحماسة له، والحرص على استقراره والمحافظة عليه.