في واقع العالم العربي الكثير من المعضلات والملمات، ولعل أكثرها خطورة وحساسية تلك النزعات والطموحات الانفصالية التي تجنح إلى الانسلاخ عن الوطن الأم وتكوين كياناتها السياسية والمذهبية والعرقية، ولا نجانب جادة الصواب إن قلنا إن التمذهب السياسي قد لعب دوراً مهماً في تشكيل تلك القناعات وتعبيد الطرق الفكرية لها، من خلال ما تتلقاه من مغازلات إقليمية قائمة على المذهب وقناعة التحزب العقائدي، وهو الأمر الذي بدأ يتكون في فضاء العالم العربي كمشكلة معاصرة تحتاج إلى الدراسة والتدقيق وتحديد طرق المعالجات والتعامل مع تركيبتها المعقدة. كما أن تلك الطموحات وللأسف الشديد غالباً ما تتخذ كأوراق سيطرة وأحصنة طروادة للعبور إلى مناطق التأثير في الكيانات الأخرى والبحث عن مواطئ الأقدام بها، سواء من خلال التغلغل في مفاصل المجتمع والاندماج بها عن طريق البذل المادي أو من خلال ركوب قطار قضايا تلك الجماعات وتبني طموحاتها وتضخيم مطالبها الانفصالية، التي باتت من أشد المهددات لاستقرار الدول والحفاظ على وحدتها السياسية والوطنية. ما نحن في صدده من حديث يجذبنا أيضاً إلى مفهوم وفلسفة التربية الوطنية والتنشئة السياسية التي يشوبها ما يشوبها من قصور في العالم العربي، ففلسفة الوطن الواحد للجميع والكيان الأم، يجب أن تكرس كثقافة أصيلة تزرع في النشء منذ الصغر، تتبناها المدرسة في بدهيات العقل، وتبلورها مناهج التعليم كنظرية وطن يستلهم قادم الأيام، بروح الوحدة والاندماج الاجتماعي التي تقطع الطريق أمام كل الطموحات الأحادية الجانب من خلال القناعة والفكر اللذين هما بمثابة الدرع الواقي لكل ما يهدد وحدة الوطن وسلامته ديمومته.