يلعب الإعلام دوراً مؤثراً في مواجهة الإشاعات في كل الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، باعتبارها أحد الإفرازات الناجمة عن وقوع الأزمة بل أحد أسباب وقوعها. والإعلام في الأزمات يجب ألا يكتفي بتغطية ماذا حدث بل يجب أن يذهب إلى أبعد من ذلك.
في البداية لا بد من الإشارة ولو بشكل مختصر عن العلاقة الوثيقة بين الإعلام من جهة والأزمات وفي مقدمتها الأزمات الاقتصادية. إذ يتفق معظم الباحثين أن للإعلام دوراً كبيراً في مجال الأزمات وإدارتها ومنها بكل تأكيد الأزمات الاقتصادية والمالية مثل أزمات سوق المال، ومن الأدوار المناطة بالإعلام.
1 - التحذير من الأزمة قبل وقوعها، وهذا ما فعله بعض أساتذة الاقتصاد في المملكة من خلال بث الرسائل عبر وسائل الإعلام تحذر من أزمة سوق الأسهم قبل وقوعها وأن هذا الارتفاع غير المنطقي والسريع لمؤشر الأسهم قد يقابله انخفاض سريع وغير متوقع.
2 - محاولة احتواء الآثار السلبية اللازمة بعد وقوعها.
3 - توفير المعلومات والبيانات بكل شفافية للجمهور قبل وأثناء وبعد وقوع الأزمة.
4 - تغطية الوقائع بأسلوب بعيد عن الإثارة والتخويف لعدم اتخاذ ردود فعل سلبية، حيث تسعى وسائل الإعلام عند وقوع الأزمات إلى نشر المعلومات الصحيحة بكل شفافية وبالسرعة الممكنة للحيلولة دون ظهور وانتشار الإشاعات. ويمكن تفسير اسباب الأزمة للكشف عن المتسببين فيها.
حيث تنطبق إلى حد بعيد سمات الأزمة على ما تشهده سوق الأسهم والأسواق المالية في المملكة ومن هذه السمات المفاجأة، ضيق الوقت للمواجهة، وجود حالة من القلق والتوتر، وقوع خسائر مادية وأحياناً بشرية (وفاة بعض من خسروا في سوق الأسهم أو إصابتهم بجلطات). تعدد الأطراف المؤثرة في حدوث الأزمة (البنوك، الهوامير، الشركات المساهمة، هيئة سوق المال والإعلام) فقد شهدت المملكة العربية السعودية مع بداية شهر فبراير 2006 انخفاضاً تدريجياً في أسعار الأسهم السعودية، فبعد أن كان المؤشر 21000 نقطة، بدأ في الانخفاض التدريجي ليصل في يناير عام 2007 إلى حوالي 6000 نقطة، أي أن المؤشر انخفض أكثر من 12000 نقطة.
ومن الجدير بالذكر هنا أن بالمملكة سبعة ملايين مساهم يضاربون في سوق الأسهم السعودية، وهي حالة غير شائعة في التعامل مع أسواق الأسهم في العالم، حيث يعتمد الفرد عندنا على نفسه، بينما في كل دول العالم الأخرى تقريباً يعتمد المستثمرون في سوق الأسهم على البنوك وشركات إدارة الأموال أو إدارة الأوراق المالية لإدارة استثماراتهم ومحافظهم في أسواق الأسهم.
وفي المملكة يضارب المواطن العادي والمقيم ويعتمد في قراراته على العديد من العوامل مثل مشورة الأصدقاء وتوجهات أكبر عدد من المضاربين في قاعة التداول، والوسطاء والمراكز الاستشارية والمؤسسات المالية الحكومية والخاصة (هيئة سوق المال، البنوك) وغيرها. وتستخدم هذه الأجهزة وسائل الإعلام المختلفة في الوصول إلى المضارب.
وهنا يصبح أهم عامل يتأثر به المضارب إما مباشرة أو من خلال الأصدقاء (نظرية انتشار المعلومة على خطوتين) هو الإعلام بكل وسائله المسموعة والمقروءة والمرئية ومنتديات الإنترنت.
فقد تفاعلت وسائل الإعلام السعودية مع الارتفاع في سوق الأسهم كما تفاعلت مع الانخفاض، وقد كان هذا التفاعل يعبر عنه في الصحافة المطبوعة أو في الإعلام المقروء بكل أنواع الفنون التحريرية الصحفية؛ الخبر، التقرير، التحقيق، المقابلة وأخيراً المقال وبالذات المقال التحليلي.
ومن ثم كانت الصحافة متواجدة في البنوك وفي قاعات التداول ومع أساتذة الاقتصاد في الجامعات السعودية ومع رجال وسيدات الأعمال في الغرف التجارية والصناعية ومع المسؤولين الحكوميين في وزارة المالية ومؤسسة النقد وهيئة سوق المال - والتي كان إنشاؤها حديثاً - للتعرف على ما يدور في سوق المال ومدى واقعية الارتفاعات الكبيرة وغير المتوقعة في أسعار كل الشركات المطروحة للتداول تقريباً.
لقد ارتفعت أسعار بعض الشركات ارتفاعاً جنونياً -إن صح التعبير- رغم إعلانها ميزانياتها والتي تدل على عدم تحقيقها لأي أرباح بل وحتى خسارتها، وهو أمر يتناقض مع أبسط القواعد المتعارف عليها في أسواق المال العالمية.
وقد تم إجراء دراسة مسحية عن موقف الإعلام السعودي المطبوع من أزمة سوق الأسهم وتوصلت هذه الدراسة إلى عدد من النتائج كان من أبرزها:
1 - تزايد اهتمام الصحافة السعودية بشكل تدريجي بالاقتصاد الوطني والموضوعات الاقتصادية بشكل عام.
2 - بدأت الصحافة السعودية في تخصيص صفحة واحدة على الأقل للشأن الاقتصادي وتطورت إلى صفحتين وفي بعض الصحف ومع الطفرة غير المتوقعة في سوق الأسهم أصبح نصيب الشؤون الاقتصادية أربع صفحات وأحياناً ملحق يتكون من ثماني صفحات بل من اثنتي عشرة صفحة.
3 - تقدم الاهتمام بالأسهم وحركتها ارتفاعاً وانخفاضاً على غيره من الموضوعات الاقتصادية فبالإضافة إلى أسعار الأسهم والتي تنشر بشكل يومي كانت هناك متابعة دائمة لصناديق الاستثمار في البنوك وأخبار توزيع الأرباح والميزانيات ربع السنوية ونصف السنوية للشركات المساهمة وإعلانات الاكتتاب للشركات الجديدة.
4 - بعد الأسهم جاء العقار وأخباره وما يتعلق بالمساهمات العقارية الجديدة في درجة قريبة من الاهتمام بسوق الأسهم.
5 - أوضحت الدراسة أن التحليلات الاقتصادية وبالذات من رجال الاقتصاد من المتخصصين في الدراسات الاقتصادية من الأكاديميين تنال مساحات كبيرة وصلت أحياناً إلى أكثر من 50%.
6 - تبين أن هناك علاقة شبه طردية بين المساحة المتخصصة للإعلان من شركة معينة وما يرد عنها من أخبار.
7 - تعتمد الصحافة في مصادر المعلومات على الأخبار التي ترد من مكاتب العلاقات العامة في الشركات والبنوك، ويظهر ذلك جلياً في وجود نفس الخبر أو التقرير الإخباري بنفس الصياغة دون حذف ولا إضافة في أكثر من جريدة، أما الأخبار الخاصة بالمؤسسات الاقتصادية الحكومية فترد على شكل تصريحات لمسؤولين حكوميين أو من خلال وكالة الأنباء السعودية التي عادة ما يأتي منها أخبار اقتصادية ذات صبغة رسمية بحتة مثل الإعلانات بتعيين مسؤولين في سوق المال أو إنشاء مصرف الإنماء أو الإعلان عن تخصيص شركة حكومية كشركة الاتصالات.
8 - كان هناك طوال التغطيات والمتابعات لحركة سوق الأسهم ارتفاعاً وانخفاضاً استطقاب لعدد من الأكاديميين المتخصصين في الاقتصاد والذين يقدم عدد غير قليل منهم تحليلاته لسوق المال بأسلوب يغلب عليه الطابع العلمي غير الصحفي، وهو ما قد يؤدي إلى بعض الصعوبات في الفهم من القارئ العادي وحيث يشكلون الغالبية العظمى من قراء الصحف المحلية وتظهر الصعوبة على القارئ العادي عندما يقرن الكاتب الأكاديمي التحليل ببعض النظريات الاقتصادية أو ببعض المصطلحات الأجنبية، والتي أظهر البحث كثرة استخدامها من بعض الأكاديميين الذين يتعاطون الكتابة في الصحف.
9 - تبين الدراسة أن هناك علاقة شبه وطيدة بين رجالات المال والأعمال في سوق الأسهم وفي البنوك وفي المؤسسات الاقتصادية الحكومية من جهة والقائمين على الملاحق والصفحات الاقتصادية من جهة أخرى، وتبين الأرقام التي وردت عند سؤال عينة من الصحفيين الذين يكتبون في الشأن الاقتصادي عن مدى علاقتهم برجال المال والأعمال في القطاعين العام والخاص أن نحو 88% منهم على تواصل دائم مع واحد على الأقل من رجال المال والأعمال.
10 - تبين أن عدد قليل جداً من الصحفيين المناط بهم العمل في متابعة الملاحق والصفحات الاقتصادية يحملون مؤهلاً في الاقتصاد إذ بلغ المتخصصون في الاقتصاد والذين يحملون شهادات جامعية في هذا التخصص 17% فقط.
ومما سبق نصل إلى أن الإعلام يجب ألا يكتفي في الأزمات بتغطية ماذا حدث بل يجب أن يذهب إلى أبعد من ذلك.
وفي النهاية يمكن أن نشير إلى أن نسبة المضاربين في سوق الأسهم أغلبيتهم من صغار المضاربين تتجاوز 80% وفي ظل قلة المعرفة بأسرار هذه التجارة وكيفية الدخول إليها والخروج منها، خاصة عند حدوث تراجع أو انهيار حاد لأسعار الأسهم، كان لا بد من تقديم النصح والتوجيه للمتعاملين وذلك طبقاً للمثل الصيني المشهور يقول: (لا تطعمه السمك بل علمه كيف يصطاد السمك).
وإن كان شيء لا بد من قوله هو أن على المرء الذي يريد تنمية ماله أن يراقب الله تعالى في ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وألا يجعل هدف تحقيق الربح السريع هو معيار النجاح دون النظر إلى العواقب والمخاطر التي يمكن أن تحدق بهذا المال. لا بد أن تقدر حجم المال الذي سوف تخصصه للتعامل بالأسهم، وألا تضع كل ما تملكه من مال في مجال يحمل الربح أو الخسارة، بل في مجال ترتفع به نسبة المخاطرة فيما لو كنت مضارباً وألا تضع كل مالك في أسهم شركة واحدة؛ لأن خسارة الشركة أو نزول أسعار أسهمها في السوق لأي سبب ربما يذهب بجميع مالك أو بعضه. بل عليك باختيار أسهم الشركات الجديدة في السوق، وحاول تصنيف الشركات المساهمة إلى ثلاث فئات (فئة الشركات الضخمة، فئة الشركات المتوسطة، فئة الشركات الصغيرة)، وذلك حسب القيمة الإجمالية السوقية لأسهمها، ثم عليك بالتركيز على أفضل الشركات المتوسطة بحكم أنها شركات تجاوزت مرحلة التأسيس وأخذت في النمو المتصاعد وأربحاها في الغالب مستقرة وشبه مؤكدة، استشر أهل الخبرة في السوق عن أفضل الشركات المساهمة والأسهم المتداولة، واحرص أن تتعرف على مجموعة من المساهمين الذين لهم خبرة جيدة في السوق، وحاول أن تكون واحداً منهم وناقشهم باستمرار، ولا تكتفِ بالمعلومات التي تحصل عليها من هؤلاء الأشخاص بل عليك أن تزيد من ثقافتك اليومية عن الأسهم، بتخصيص نصف ساعة فقط يوميا لقراءة الجديد عن الأسهم ولكن من المصادر الخاصة بالأسهم التي تنشر تقارير الأسهم والشركات المساهمة. ادرس الوضع المالي والقانوني للشركات المساهمة قبل أن تقدم على شراء أسهمها، وللقيام بذلك عليك بتحليل جانبين هامين هما:
الأول: التحليل الفني للسهم وحجم تداوله وذلك بتتبع حركة أسعار السهم خلال فترة معينة وتتبع مؤشر هذا السهم ومقارنته بالمؤشر العام للأسهم، ومدى الإقبال على شرائه في السوق.
الثاني: التحليل الأصولي للشركة التي وقع اختيارك عليها من حيث حجم الممتلكات والإنتاج والمبيعات والأرباح خلال عدد من السنوات، وكذلك القيمة السوقية لأسهم الشركة وقوة منافستها في السوق ومجلس الإدارة ونوعية القرارات الصادرة عنه.
فإذا تسلح المضارب والمستثمر بكل العوامل والنصائح السابق ذكرها حيئنذ يكن قد تجاوز مغبة الوقوع في مخاطر الانزلاق وراء المعمعات الإعلامية والانسياق وراء الشائعات المغرضة التي قد تقودهم إلى الخسارة، كما أن الإعلام يجب أن يكن ذا دور بارز في مواجهة الأزمات. وذلك من خلال احتواء سوق المال بكافة المعلومات حتى يتمكن من إفادة المضاربين أو المستثمرين بكافة الإرشادات والنصائح وتحذيرهم من المخاطر قبل وقوع الأزمة وليس العكس، وهذا يستوجب على الصحفيين العاملين في هذا المجال من الإعلام أن يكونوا من المتخصصين في مجال الاقتصاد.
E-mail:asa5533@hotmail.com