«الجزيرة» - نواف الفقير:
أيد عدد من الاقتصاديين والمستهلكين التوجه بقيام القطاعات التجارية المختلفة في السوق المحلي إلى نشر مبررات وأسباب ارتفاع أسعار منتجاتها وخدماتها بشكل جلي وواضح أمام الرأي العام في ظل غياب الشفافية والموضوعية أمام تسارع وتيرة التضخم بالسوق المحلي لسلع وخدمات تفتقر إلى المبررات الموضوعية وفي إطار السعي لرفع كفاءة السوق المحلي والدعوة لخلق علاقة احترام وتبادل معلومات واضح بين المنتجين والمستهلكين.
في وقت تتزايد الحاجة في السوق المحلي لاقتفاء أثر التجربة التي شهدها السوق البريطاني مؤخراً من خلال سلوك شركة الغاز البريطانية التي قامت برفع أسعار سلعها 44 % حيث توجهت بنشر إعلانات في الصحف والمجلات بملايين الدولارات بقصد الاعتذار للمستهلكين إزاء رفعهم أسعار سلعهم وكذلك لإيضاح الأسباب والدوافع التي قادتهم لرفع الأسعار.. هذا التصرف قابله رضا واسع من المستهلكين وعلى النقيض تماماً نرى الارتفاعات الواسعة في الأسعار على السلع في سوقنا المحلي والمستهلك لا حياة لمن تنادي...!!
آليات قانونية لحماية المستهلك
وحول هذا الموضوع أوضح القانوني الدكتور ماجد قاروب أن المجتمع بحاجة إلى آليات قانونية لحماية المستهلك وقال إن الجهات المعنية والغرف التجارية لم تنجح طوال السنين في فرض مبادئ حقيقية لاحترام وحفظ حقوق المستهلك، ولذلك نجد أن الشركات لم تقم بمبادرة تجاه المستهلكين إلا في حالتين الأولى عندما تضررت بسبب مقاطعة المنتجات الدانماركية والثانية من تجار الأرز والمواد الغذائية وكان ذلك للدفاع عن أنفسهم وليس لإيضاح مبررات واضحة لاتخاذهم لقرارات رفع الأسعار كما هي الحال بتجربة الغاز البريطانية وتفاءل قاروب قائلاً: لعل جمعية حماية المستهلك تكون قادرة مع الوقت لفرض مبادئ حماية واحترام حقوق المستهلكين ورعايتهم.
وانتقد قاروب من يتحدث عن وجود بعض النصوص القانونية التي تحمي المستهلك وحقوقه حيث قال إن هذه النصوص عديمة جدوى وفائدة لعدم قدرة الأجهزة المعنية على تطبيقها أو إلزام الشركات باحترامها وهو ما نتمنى تطبيقه من خلال التعاون ما بين وزارة التجارة وجمعية حماية المستهلك وباقي الأجهزة المعنية كوزارة الصحة ووزارة الشؤون البلدية.
ضبط الانفلاتات المفرطة للأسعار
وأيد الخبير الاقتصادي بسام البقعاوي فكرة الشفافية وإعلان المبررات وأضاف: ارتفاع الأسعار ولعل أبرزها الوقود مثلاً ستتسبب في رفع أسعار سلع أخرى مما يؤدي إلى انخفاض المستوى المعيشي كما يؤدي إلى الرغبة في رفع الأجور ويقودنا بالتالي إلى انحسار في القوة الشرائية وصولاً إلى انخفاض النشاط الاقتصادي.
ويتابع البقعاوي: لا بد من خلق الشفافية والوضوح في مثل هذه المسائل التي تعتبر مهمة بالنسبة للمستهلك خاصة فيما يتعلق بالأسعار وبالتالي إيجاد أنظمة وبنود وقوانين تحكم هذه العملية هو أمر ضروري وحتمي.. منوهاً بأن ذلك يخلق نوعاً من دعم خطط التنمية والقرارات المتعلقة بدعم الأسعار المحلية هي قرارات سياسية لا تعتمد على الربحية.. وهي قرارات مبنية على إستراتيجية تتعلق بالاستقرار والنشاط الاقتصادي وكذلك مستوى المعيشة للمواطن.. ويواصل البقعاوي: المواطن يعلم أن القيادة تحاول دعم المستوى المعيشي بتوازن مع النشاط الاقتصادي ولعل الخطط التنموية الخمسية تمثل توجهاً لتحقيق هذه الأهداف لذا فإن فرض ضوابط تحكم تصرفات القطاع الخاص خاصة الشركات وما يتعلق بسلعها ومنتجاتها وأسعارها الموضوعة سيسهم في خلق أجواء أفضل في عملية النشاط الاقتصادي والمستوى المعيشي للمواطن بعيداً عن الانفلاتات المفرطة في الأسعار.
احترام المستهلك كشريك للشركات
وأوضح المحلل الاقتصادي فضل البوعينين قائلاً: عندما نتحدث عن شركة الغاز البريطانية فإننا نتحدث عن ثقافة المنشآت الغربية، وعلاقتها الخاصة بالمستهلكين وهي علاقة تعتمد على الثقة بالنفس أولاً والثقة بالعميل ثم الثقة بالمجتمع الذي يمكن له أن يتعامل بوعي تام مع متغيرات الظروف.. مشيراً إلى أن هذه الثقة بُنيت خلال عقود طويلة وأسهمت في الارتقاء بثقافتي الإنتاج والاستهلاك والاعتماد على نظام صارم في سياسة التسعير والربحية وعلاقتهما بالدخل وأثرهما على المجتمع.
وأضاف: إنه لم يكن من السهل على مثل هذه الشركات توضيح بعض سياساتها التسعيرية أو الارتقاء بخدماتها المقدمة واحترام المستهلك لولا وعي المستهلك نفسه وثقافته التي تمكنه من مقاضاة هذه الشركات إذا ما ثبت بأنها أضرت بالمستهلكين؛ إضافة إلى القانون الصارم الذي يكفل حقوق المنتجين والمستهلكين على حد سواء.
منوهاً بأن هذه المعطيات مفقودة من السوق السعودية التي تُعتبر الأسوأ فيما يتعلق بسلامة المستهلك ومصلحته وتابع: السوق المحلي - مثلاً - مليء بالبضائع المغشوشة والمقلدة التي تحدث العديد من الأضرار على المستهلكين.. وأشار إلى أنه إذا ما أضفنا إلى هذه السلبيات القاتلة موضوع (تسعير السلع والخدمات) واحترام العميل فالمصيبة تكون أكبر مما نتوقع ويتابع: (المنتجون، الموزعون، تجار التجزئة) جهات لا تعترف بسياسة احترام العميل، والمحافظة عليه لأنها آمنة من أية إجراءات قانونية يمكن أن تتخذ ضدها، وآمنة أيضاً من محاسبة الجهات الرقابية التي يفترض أن تكون المسؤولة عن عمليات التلاعب بالأسعار والتغيرات المفاجئة والزيادات المبالغ فيها.
وأوضح البوعينين أن الأسعار ترفع في السوق دون تنويه بل إن الزيادة تصل في أحيان كثيرة إلى 100%، خاصة في السلع الرخيصة، دون أن يشعر المستهلك بذلك.. أو أن تبرر مثل هذه التغييرات السعرية المفاجئة مضيفاً أن المستهلك لم يعد قادراً على تحديد السعر الأساسي للمقارنة بسبب تتابع رفع الأسعار وعدم ثباتها، وهي سياسة يمكن أن نطلق عليها (سياسة التضليل) التي ينتهجها التجار من أجل مصالحهم وبالتالي الإضرار بالمستهلكين واستغلالهم أيضاً ويواصل البوعينين: أعتقد أن المنتجين والموزعين لا يراعون حقوق المستهلكين، ولا يتقيدون بالكثير من الأنظمة والقوانين، بل بعضهم لا يراعي حق الله سبحانه وتعالى فيما يتعلق بأمور تجارتهم، وهذا يؤدي إلى إضاعة الحقوق، وطمع التجار في المستهلكين، والتضييق على الفقراء والمساكين والضغط عليهم وفتح أبواب الشر على الأسر الفقيرة المحتاجة، والأسر المتعففة.. فكل ريال يضيفه التاجر على سلعته بغير وجه حق، وبقصد الجشع هو سرقة من جيوب الفقراء والمساكين الذين لا حول لهم ولا قوة.
وفي خاتمة حديثه قال البوعينين: أعتقد أن الأمر ذو علاقة مباشرة بتفعيل الأنظمة والقوانين واحترام التجار لها، وخشيتهم منها، إضافة إلى ثقافة المستهلك التي يمكن أن نحقق من خلالها المعجزات، وقبل أن ننجح في تطبيق هذه الأساسيات الحضارية فلن نفرح بالحصول على الشفافية النسبية، ولا أقول المطلقة، والعدالة اللتين لا يمكن للمجتمعات التطور دونهما.
المستهلكون يطالبون أيضاً بالإفصاح
وفي جولة (للجزيرة) وسط المستهلكين انتقد نايف العماش الفوضى التي تشهدها أسعار السلع مضيفاً: نتفاجأ بين الحين والآخر بارتفاعات متكررة للسلع خاصة السلع الأساسية ومنها المواد الغذائية وقال إن ما يدعو للاستغراب هو تحجج أصحاب الشركات وموردي هذه السلع بالوضع الاقتصادي العالمي ولكن يجب وهذا حق من حقوق المستهلك أن يتم الإفصاح عن المبررات والدوافع بشكل واضح للارتفاعات الخيالية للأسعار ويضيف المواطن نايف العودة: الدولة قامت بدعم عدد من السلع وعلى الرغم من ذلك نجد أن الأسعار ترتفع وبشكل سريع في المقابل في حالة دعم هذه السلع نجد أن الأسعار تأخذ فترة زمنية طويلة حتى يتم خفضها من قبل التجار مضيفاً بأن المستهلك لا يجد جهة تحميه من جشع هذه الشركات التي لا تحترم المستهلك ولا تضعه أمام الأسباب التي دعت لرفع الأسعار وطالب العودة أن تراعي الشركات التطور الذي حصل في سلوك المستهلك وبالتالي لا بد لها أن تصنع علاقة ثقة وشفافية متبادلة مع المستهلكين.