في عهد حكومة الاتحاد والترقي المتنفذة بظل خلافة السلطان وحيد الدين المعروفة بضعف السلطان وخيانة حاشيته وفساد ولاة الأقطار التابعة للخلافة في الشرق العربي والتي أفرزت ثورات متعددة ابتدأت من اليمن حيث قضى على القلاع التركية بمن فيها ولم يخرج منها أي جندي تركي وفي هذه الفترة المظلمة في عصر الخلافة العثمانية برز النشاط الصهيوني في تقويض الخلافة الإسلامية والقضاء عليها بعقد صفقات وتحالفات سرية مع الحلفاء الذين حاصروا اسطنبول من كل المنافذ البحرية وكان للصهاينة اليهود ووزير المالية للسلطنة العثمانية (اليهودي الدونمة) علي أك صور الدور الكبير في إخافة السلطان وحيد الدين ودفعه للتوقيع على وثيقة التسليم لدول الحلفاء باحتلال عاصمة الخلافة العثمانية إسطنبول!
وأمام هذا المشهد المظلم للدولة العثمانية والخوف من احتلالها بدخول جيوش الحلفاء العاصمة اسطنبول أعلن قائد الجيش الرابع المشير مصطفى كمال أتاتورك رفضه لقرار التسليم السلطاني وإصدار أوامره إلى قوات الجيش الرابع أن تعلن حرباً تحريرية لإبعاد القوات الغازية من جيوش الحلفاء عن الجزء الجغرافي الباقي من السلطنة العثمانية والذي عرف فيما بعد بالجمهورية التركية ولبى نداءه الوطني كافة قادة الجيوش العثمانية وأكثرهم تربطه بأتاتورك صداقة قديمة وزمالة عسكرية مثل عصمت اينونو وكاظم كارابكر باشا قائد الجيش الأول والثاني وتوحدت جيوش السلطنة العثمانية تحت مسمى - جيش التحرير - بقيادة أتاتورك والذي بدأ حرب التحرير في مدينة صمصون على سواحل البحر الأسود واستطاع بقوة ضئيلة ومعدات قديمة أن يدحر ثلاثة جيوش غازية فالانجليز والفرنساوين أبعد أسطولهم عن موانئ إسطنبول.
وأخرج الجيش اليوناني بحروب ضارية في منطقة بحر إيجه وتم التحرير الكامل بالاستيلاء على مضيق الدردنيل بعد معركة حماسية خاضها الجيش التركي وأعلنت انقره عاصمة للجمهورية التركية الجديدة عام 1923م وقوبل (قرار السلطان) المشهور بإقالة المشير مصطفي كمال أتاتورك بتهمة العصيان العسكري بالمطالبة من قبل أعضاء المجلس التأسيسي الأول بخلع السلطان وحيد الدين وإسقاط الخلافة العثمانية وتم إبعاد الخليفة إلى أوروبا ودخل جيش التحرير التركي اسطنبول محرراً لعاصمة العثمانيين من جيوش الحلفاء.
وقد بادر اليهود في خدمة العهد الكمالي الجديد بالانخراط في الوظائف المالية والترجمة الحكومية وفي وزارتي الدفاع والخارجية لإتقانهم اللغات الأجنبية ولحاجة الدولة التركية الجديدة لمثل هذه الخبرات لعدم الإلمام باللغات الأجنبية بين موظفي الدولة. وقد استغل اليهود قرار أتاتورك بإلغاء الألقاب السابقة لمواطني الدولة العثمانية واستبدالها بمسميات جديدة بعدة كليا عن ألقابهم العائلية والعشائرية السابقة واندمج اليهود مع الشعب التركي المسلم باختيارهم لألقاب جديدة مشتركة مع العوائل المسلمة ومن هنا بدأ عهد (الدونمة) في تركيا ومعناها في اللغة العربية (العودة) أو الغطاء للعودة داخل المجتمع التركي المسلم وأصبح من الصعب تفريقهم عن المسلمين لعدم تحديد الدين والعرق في الهوية الوطنية الجديدة للجمهورية التركية الحديثة! وتغلغلوا في جميع شرايين الدولة الحديثة حتى الشريان الأبهر القوات المسلحة والتي كان الدخول إلى فصائلها محرماً على أهل الكتاب واقتصار الخدمة العسكرية في جيش السلطان على المسلمين وظهرت شخصيات هامة من رجال الدولة من اليهود الدونمة ومتسترين بغطاء الأسماء والألقاب الإسلامية وأصبح منهم الوزير والسفير ورئيس البنك المركزي وأصبحت لهم سيطرة تامة على الحياة الصناعية والمالية في جميع المناطق التركية واقتصرت التوكيلات العالمية للشركات الأوروبية والأمريكية بشركات يملكها اليهود الدونمة فتجارة الأدوية اقتصرت فقط على عائلة أكزاجي باشي وبالتعاون مع الشركات الألمانية والهولندية أصبح تداول الأدوية داخل تركيا تحت سيطرة وتحكم أجزاجي باشي، ونقلوا التركيبات السرية الخاصة بالأدوية إلى مصانعه في اسطنبول وأصبح ينتج أدوية المصانع العالمية للأدوية تحت علامته التجارية في تركيا..
وبعد سيطرتهم الكاملة على معظم المؤسسات الحكومية الهامة ركزوا رجالهم فيها وتوجهوا بنشاطهم نحو المؤسسات الإعلامية والفنون والبنوك الخاصة والحياة الاقتصادية بكل مجالاتها وأخذوا في تشكيل لوبي صهيوني مؤثر على الإعلام والتجارة والتوجيه للرأي العام التركي لصالح الصهيونية ودويلة إسرائيل والعمل الجاد لترسيخ العداء نحو العرب وتسخير الفضائيات العديدة المنشأة لهذا الغرض وعرض أفلام وندوات تذكر الشعب التركي بأن العرب هم المتسبب الأول في خسارة الأتراك للحرب العالمية الأولى وضياع الأقطار العديدة التي كانت تحت لوائهم! وإظهار إسرائيل والشعب اليهودي بالضعفاء المظلومين من العرب المحاصرين لهم بأكثر من 22 دولة وتحت ضغوط اللوبي الصهيوني في تريكا وتقديم المغريات المادية والدعم الدولي للحكومات التركية المتعاقبة بعد عهد كمال اتاتورك أعلن الرئيس الثاني للجمهورية التركية عصمت اينونو وكان يتعاطف كثيراً مع اليهود وينظر للعرب بنظرة التأخر الحضاري في عهده تم تغيير الأذان إلى اللغة التركية ومنع تدريس اللغة العربية في المعاهد الخاصة التركية وختم عهده العدائي للعرب بإعلان اعترافه السريع بدويلة إسرائيل عام 1949 وبنفس العام فتحت القنصلية الإسرائيلية مكتباً لها في منطقة جانقيا (حي السفارات) ورفع التمثيل الدبلوماسي إلى سفارة عام 1950م وأصبحت اسطنبول منطقة ترانزيت لمرور المهاجرين اليهود من روسيا ودول أوروبا إلى إسرائيل. ومع هذا الاعتراف السريع احتوت إسرائيل تركيا بتأثير اللوبي الصيهوني القوي والنشط وتم عقد عدة معاهدات تجارية وتعاون زراعي ثنائي ورحلات مكوكية لتبادل الخبرة العلمية في كافة المجالات. وأخيرها الاتفاق الاستراتيجي والأمني التركي - الإسرائيلي عام 1995م وتم توقيعه من قبل تانسو جيلر رئيسة الوزراء آنذاك ووزير خارجية إسرائيل بيريز مهندس هذا النصر الإسرائيلي!
وفي عهد الرئيس توركت أوزال تم التوقيع على مشروع استراتيجي للأمن المائي الإسرائيلي سمي (أنبوب السلام) وذلك بمد دويلة إسرائيل بالمياه من نهر (مانفكات) القريب من مدينة انتاليا ومنحت شركات عالمية عملاقة مناطق زراعية واسعة ممولة بالدعم الإسرائيلي لتطبيق الخبرة الصهيونية في الزراعة عند شرق الفرات وبهذا يدق مسمار جحا في شعار إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات!
وجاءت قضية (أركين كون) لتفضح نشاطات اللوبي الصهيوني في السياسة والإعلام التركي حيث تم (تهريب) الصحفي تونجاي كوناي من اسطنبول إلى كندا بعد إلقاء القبض عليه وبحوزته ثلاثمائة ملف سري عن الشخصيات السياسية والأمنية وموثقة بالمستندات الرسمية والصور وبعد تهديده لرجال الأمن في اسطنبول بأن نسخة من هذه الملفات مودعة في أحد خزائن بنك يهودي في كندا تم تهريبه سراً إلى كندا وبعد ذلك ظهر في أحد الفضائيات التركية بزيه الأصلي (حاخام يهودي) واسمه أرنيل وطيلة عشرين عاماً متستراً تحت ام تونجاي كونابي الصحفي المسلم!!!
* محلل إعلامي/عضو هيئة الصحفيين السعوديين - جمعية الاقتصاد السعودي