كانت العلاقة بين شرق العالم العربي وغربه تعاني ولسنوات طويلة مضت من صعوبة التواصل والاتصال .. كان الكل يتهم الكل بأنه السبب في حالة القطيعة هذه..
ومع بزوغ عصر الفضائيات العربية استبشر المواطن العربي كثيراً وخيل إليه أن هذه الإشكالية إلى زوال قريب، إلا أن الواقع العربي أصبح أشد غموضا والتباساً مما سبق فقد أخذ العرب كلهم من شرقهم وغربهم وشمالهم وجنوبهم في الانكفاء على الذات بشكل غريب.
حينما كانت الجغرافيا تقف حجر عثرة في سبيل الالتقاء العربي المشترك كان يمكن فهم وتبرير هذا الانقطاع وعزوه إلى تباعد المسافات بين أقطار العالم العربي، أما وقد جاءت التكنولوجيا بحلول رائعة ألغت منها منها الجغرافيا وقيودها فما المشكلة إذاً؟
أعتقد أن مشكلتنا كعرب هي في سيطرة الفردية علينا وغياب مفهوم العمل الجماعي في عالم لا يحترم إلا الأقوياء، حيث بتنا نرى ونشاهد قيام تكتلات بين شعوب وأمم كان ما يفرقها أكثر مما يجمعها ومع ذلك فقد فرض الاقتصاد كلمته وسحره فظهر الاتحاد الأوربي على سبيل المثال عملاقاً اقتصادياً وسياسياً مرهوب الكلمة والجانب.
وبدلاً من أن تكون التكنولجيا عاملاً مساعداً في التقريب بين العرب إلا أن ما حصل هو عكس ذلك تماما.. فالكل ازداد انغلاقاً على ذاته وكأنه جزيرة وحدها.
والشواهد في عالمنا العربي على سوء استخدام العرب للتقنية الحديثة كثيرة ومتعددة وسوف اكتفي بايراد مثلين يوضحان هذا الأمر: المثل الأول يرويه لي زميل عربي أثق بصدق كلامه ويعمل في محطة تلفزيون حكومية.. يقول هذا الزميل بأنه أحيل إليه منذ سنوات طويلة في عمله موضوع يطلبون فيه رأيه في المجالات التي يمكن لمحطتهم الاستفادة منها من الخدمات التي يقدمها القمر الصناعي العربي- عربسات- ويضيف هذا الزميل قائلاًً:
لقد فوجئت بالموضوع فالقمر العربي وقتئذ كان يحلق في الفضاء منذ خمس سنوات تقريباً، ولم يعد من عمره الافتراضي سوى خمس سنوات أخرى، وجهة عملي تطلب رأيي في كيفية الاستفادة من هذا القمر؟! يقول زميلي: درست الموضوع وبعد ذلك قدمت مجموعة من الاقتراحات بما يمكن لمحطتنا الاستفادة من القمر العربي.
ويعقب زميلي قائلاً: جلست بعد ذلك مفكراً غير مصدق.. هل هذا الأمر معقول؟ هل يمكن تخيل أن ينشأ العرب مشاريع كبيرة وينفقون عليها أموالاً طائلة من دون أن تكون هناك خطة واضحة لكيفية الاستفادة من هذا القمر؟!
والمواقف الآخر يرويه لي زميل عربي آخر يعمل في فضائية عربية يقول هذا الزميل إن رئيس الجهاز الذي يعمل فيه قد طلبهم إلى اجتماع عاجل حيث أخبرهم في هذا الاجتماع بشراء محطتهم لعربة نقل حديثة وطلب منهم الاستفادة منها في نقل حدث محلي مهم يقام بعد عشرة أيام من اجتماعهم وحينما أبدى المسؤول الفني احتجاجه وعدم قدرة فريقه الفني على التعامل مع هذه الأجهزة الحديثة، وحيث إن الرئيس كان يعمل مخرجاً قبل أن يصبح رئيسا لهذا الجهاز ولديه المام جيد بالأمور الفنية فقد رفض هذا الاحتجاج وأصر على أن الفنيين يستطيعون التدرب على هذه الأجهزة خلال خمسة أيام، وفعلاً فقد تم نقل الحدث بالأجهزة الجديدة.
إلى ماذا يشير ذلك؟
أعتقد أنه يشير إلى أن هناك حالة من سوء التعامل مع تكنولوجيا الاتصال، ويشير أكثر وأخطر، إلى أن التخطيط ودراسة الجدوى وحصر الاحتياجات ومعرفة الآفاق المستقبلية وتحديد الأولويات هي أمور غائبة أو مغيبة في العالم العربي.
والسؤال الآن.. كيف يمكننا الاستفادة من معطيات التكنولوجيا وتستخدمها في خدمة العمل العربي المشترك؟
والجواب متروك للعرب أنفسهم بدءاً من قادة الرأي والفكر ووصولاً إلى المواطن العادي.
مستشار إعلامي