Al Jazirah NewsPaper Saturday  16/08/2008 G Issue 13106
السبت 15 شعبان 1429   العدد  13106

التهديد الإيراني في ثوبه الجديد
اللواء الركن (م) سلامة بن هذال بن سعيدان

 

إن التهديد الإيراني في ثوبه الجديد يتجلى بوضوح عن محاولات إيران المستميتة والمتكررة للحصول على السلاح النووي الذي تجد فيه ما يرضي تطلعاتها ويتواءم مع طموحاتها بما في ذلك تحقيق أمنها على حساب تهديد أمن غيرها .....

..... حيث إن التهديد العسكري إذا ما تقابل مع التهديد الفكري والمد الثوري اكتملت أبعاد التهديد الثلاثة بالصيغة التي ينمو ويترعرع فيها الثاني والثالث تحت مظلة الأول، عندئذ تصبح دول المنطقة وبالتحديد الخليجية منها تحت رحمة هذا التهديد، وينكشف أمامها المستور بعد أن تقع في المحظور.

وخطورة هذا التهديد تنبثق من طبيعته الفكرية وخلفيته التاريخية وتراكماته النفسية ومختلف الاعتبارات السياسية والإقليمية وهذه العناصر وما في حكمها إذا ماتمت إدارتها والسيطرة عليها من قبل الطرف الذي يحتكر السلاح النووي على النحو الذي يرغبه، فارضاً ضغوطه ومملياً شروطه على خصمه، حينها تكون التحولات شديدة والنتائج المترتبة عليها ذات انعكاسات بعيدة، بسبب امتزاج الغزوالفكري بالأسلوب القسري، وقد قال الشاعر:

الأقوياء بكل أرض قد قضوا

أن لا تراعى للضعيف حقوق

والواقع أن إيران منذ ثورتها وهي تتطلع بقوة إلى أخذ مكان عالمي ولعب دور إقليمي يمكنها من فرض نفسها كقوة إقليمية كبرى، والسلاح النووي بالنسبة لها هو الضمانة الأكيدة لأخذ المكان ولعب الدور وإيجاد القوة لمنشودة، خاصة أن نظرية تصدير الثورة لم تنجح في توصيلها إلى هذه الغاية، بل كشفت مخططها التوسعي، وألبت عليها دول العالم، وامتلاك الرادع النووي هو الذي سوف يوفر لها الظروف لتصدير الثورة وفرضها كما يتيح لها ذلك التحول إلى قوة نووية محسوبة في المنطقة شأنها شأن إسرائيل والهند وباكستان، علاوة على تدعيم أمنها وبسط نفوذها وكسر عزلتها الدولية التي عانتها في أعقاب الثورة.

ورغم أن البدء بالأنشطة النووية السلمية في إيران بدأ في عصر الشاه إلا أن التفكير الجدي في امتلاك السلاح النووي تم فعلياً بعد الثورة في أعقاب الحرب العراقية الإيرانية التي عانى منها الإيرانيون الكثير واكتووا بنيران أسلحة التدمير الشامل فيها، بحيث أصبح الحصول على سلاح الردع جزءاً من التفكير الاستراتيجي الإيراني في الثمانينيات والتسعينيات، وعزز هذا التفكير وبرره خضوع إيران للحظر الدولي الجاد الذي فرض عليها في مجال مبيعات السلاح، إذ إن الحظر المفروض عليها رأت فيه حجة تدفعها للاستمرار في برنامجها النووي، متخذة من تصعيد الأمور في اتجاه الخطر المرحلي والمجازفة المحسوبة مسوغاً لاتقاء ما هو أخطر، أو قبول المجازفة ونتائجها، باعتبار أنه لو كان لديها رادع نووي ما كانت تعرضت لمثل هذا الخطر، بل وفر لها الرادع حصانة أمنية ومكانة دولية، تجعلانها في منأى عن التهديدات وفرض العقوبات.

ومن الذرائع التي تتشبث بها في هذا الاتجاه تلك الظروف التي خلفتها الحرب الأمريكية في العراق بوصفها دولة تشترك معها في الحدود ويربط بين الجارتين تاريخ مشحون بالسخائم والثارات والحروب، وهذه الحرب تعتبر فرصة سانحة اقتنصتها إيران بحذق ومكر، بحيث إنها تشارك المحتل فياحتلاله والقاتل في قتله، وتدعي أنها تقف ضده، فالمكاسب لها والمتاعب لغيرها، من خلال ما قدمته أميركا لها من خدمة( جلا )بتدمير عدوها اللدود من جهة، وإتاحة الفرصة لها بالتدخل في شؤون العراق الداخلية والمساهمة في احتلاله وتصفية حساباتها فيه من جهة ثانية، وإعطاء الذرائع لها بوجود خطر قائم يهددها على حدودها من جهة ثالثة.

وليس من شك أن ما تمخض عن حرب أمريكا على العراق وما خلفته من قتل وتشريد وتدمير كان له تداعياته وانعكاساته على المنطقة، إذ نجم عنه اكتساب إيران لأمن التهديد تلقائياً، مهما ادعت أنها مهددة من أمريكا ودول الغرب في حين أدى ذلك إلى تهديد أمن الدول العربية المجاورة للعراق، وحرمها من خطها الدفاعي الأول بإضعاف دور العراق وانفلات الأمن فيه وجعله عرضة للتقسيم وإخراجه من المعادلة الأمنية، إذ إن العراق بعد أن كان يشكل جبهة أمامية لدول الجوار وحاجزاً يقيها من التهديد الإيراني، في الوقت الذي تمثل هذه الدول فيه عمقاً استراتيجياً له يسانده ويرفع وطأة التهديد، تغيرت المعادلة بضعف طرفها الأول وانحسار تأثيره، وأصبح طرفها الثاني قاب قوسين أو أدنى من التهديد.

وبصرف النظر عن هذه الحرب ونتائجها القريبة والبعيدة على الذي شنها فإن المستفيد الأول منها هو إسرائيل والمستفيد الثاني هو إيران، ويعود ذلك إلى التقاء المصالح بين الدولتين، وفي هذه الحقيقة الناصعة شيء من التوضيح لمن ينخدع بسبب المزايدات ورفع الشعارات ويعميه كره هذا الطرف عن تحكيم عقله تجاه الطرف الآخر، وتقدير الموقف نحوه والتبصر في تهديده القديم والجديد.

واليهود هم قتلة الأنبياء وأعداء الرسل، وتاريخهم المظلم يكشف عن مآسيهم وجرائمهم ضد الأمة، ولكن هذه الحيثيات والمسلمات يتعين ألا تصرف البعض عن التهديد الآخر القادم من الشرق، وما يقوم عليه من تضليل فكري ويصحبه من مد ثوري، تلتقي جميعها فيما يخدم النزعة الصفوية، والقومية الفارسية، وهو أمر بدأت مخاطره تأخذ طريقها عبر بعض الدول المجاورة للعراق متسربلة باسم الإسلام، ومستغلة المتاجرة بأوهام المقاومة والمزايدة على فلسطين والقضية الفلسطينية.

ومن الملاحظ أن الذين كانوا يزايدون من العرب على القضية الفلسطينية ويمتطونها لتحقيق مآرب سياسية أو منافع شخصية منهم من غيبه الموت، ومنهم من أدرك أنه لم يبق شيء يمكن المزايدة عليه لضعف الطالب والمطلوب، فالمزايد مثل الذي يحاول أن يقبض الريح والمزايد عليه مثل تلك الريح التي استعصت على قابضها، ويكمن السبب في عدم اقتران الأقوال بالأفعال، ومن المواقف المشابهة التي يعيد فيها التاريخ نفسه أن هناك بعض الأصوات في إيران التي ركب أصحابها موجة المزايدة، متخذين من مفهوم امقاومة وقضية فلسطين وإزالة إسرائيل من الخريطة وسيلة لكسب الوقت وصرف الأنظار عن تهديد إيران القادم، علاوة على خداع السذج من أمة العرب ودغدغة مشاعرهم لينساقوا خلف الشعارات الخائبة والمزايدات الكاذبة التي ظاهرها فيه النفاق وظلم النفس وباطنها يخدم النوايا الصفوية الإيرانية ويصرف الأنظار عن تهديدها.

وانطلاقاً من مبدأ الحفاظ على الأمن والدفاع وحاجة كل دولة إلى ذلك فإن من حق إيران أن يكون لها قوة قادرة تحمي أرضها وتذود عن شعبها، حتى لو استدعت الأهداف والمهام المشروعة منها أن تسعى إلى الحصول على السلاح النووي، ولكن تعاظم دورها في المنطقة وتدخلها المستمر في الشؤون الداخلية لدولها، ونزعتها الثورية وأطماعها التوسعية، وتاريخها الحافل بالتهديد لدول الجوار، كل ذلك يجعل هذه الدول تخشى على أمنها وتزداد مخاوفها إزاء وجود الأسلحة النووية في حوزة إيران، خاصة وأنه لا يقع عليها أي تهديد وليس لها أعداء يمتلكون هذه القدرة الردعية، وما تدعيه من عداء أمريكا ودول الغرب لا يستند على أساس منطقي، بل افتعلت إيران جزءاً منه والجزء الآخر تتحكم فيه المصالح، والتاريخ يثبت أن هذه الطائفة كانت جسراً للصليبية لغزو المسلمين في جميع مراحل التاريخ القديم والوسيط والمعاصر وآخر هذه الشواهد حرب أفغانستان والعراق، والممتطى إلى الحرب يستفيد أكثر من الممتطي، والمشاركة دليل عنىالمباركة والعمل في الوجه الآخر من التل يخدم ذا الوجهين.

وإذا كان الزمن الماضي القريب يقدم شواهد حية، وتهديدات فعلية جسدتها إيران على أرض الواقع، جامعة فيها بين احتلالها للأرض وبين إثارتها للفتن في الأماكن المفدسة وغيرها بصورة متكررة، بالإضافة الى تهديدها المستمر للملاحة في الخليج وممراته، فإن الزمن الحاضر يكشف عن شكل آخر من أشكال التهديد السافر والمدعوم بالقوة والذي تحتاج مواجهته إلى عز وتصميم وقوة إرادة من قبل الطرف الآخر بالشكل الذي لا يقبل الحل الوسط ولا يخضع للمساومة وقد قال الشاعر:

فالهول يركبه الفتى

حذر المخازي والسآمة

والعبد يقرع بالعصا

والحر تكفيه الملامة

وبما أن دول الخليج العربي عامة والمملكة العربية السعودية خاصة هي المهددة أكثر ويقع عليها العبء الأكبر حيال الاختراق الفكري القائم والتهديد العسكري القادم من قبل إيران فإن الأمر يتطلب منها مناهضة هذا الفكر والتصدي له بالفكر الذي يوضح الحقائق يدفع الباطل بالحق، وذلك باستخدام الوسائل والأساليب المناسبة ومن خلال القنوات الصحيحة، كما يتحتم عليها بالنسبة للتهديد العسكري أن تبطل مفعوله وتكبح قوته عن طريق الاهتمام بالقوات العسكرية وتحديثها وتطويرها تدريباً وتسليحاً على ضوء التهديد المحتمل والأسلحة والوسائل المستخدمة فيه مع السعي الحثيث والجاد نحو التعاطي مع تقنية الطاقة النووية وعلومها للاستخدام السلمي الذي بالإمكان الاستفادة منه عسكرياً عند الضرورة.

والنشاطات الفعالة التي تهدف إلى إصلاح الذات وبناء القوة وحفظ الأمن ينبغي أن يواكبها نشاطات تلتقي معها وتخدمها نحو تحقيق الهدف ويشمل ذلك المساعي السياسية والاستفادة من الحلفاء بالصورة التي تحترم عقيدة الأمة ومقدساتها وتتفق مع مكانتها،وتحافظ على ثرواتها ومكتسباتها، ولا يكون لها انعكاسات سلبية على قناعات الأمة وثوابتها والمبادئ والأسس التي قامت عليها.

وثمة إجراءات وقائية يمكن تحويلها إلى إجراءات فعالة من خلال البحث عن البدائل التي تختصر الطريق نحو امتلاك الرادع النووي لحرمان الخصم من استثمار قوته، وبالتالي إفساد تهديده والوجه الآخر من هذه الإجراءات الوقائية الناجحة، هو جعل الخصم يتعثر في مسيرته ويخفق دون بلوغ غايته عن طريق التركيز على استراتيجية سياسية، يحركها دبلوماسية تجيد فن تحقيق الممكن، وقد قال الشاعر:

وما الخوف إلا ماتخوفه الفتى

ولا الأمن إلا ما رآه الفتى أمناً

ورغم أن قيادات دول مجلس التعاون على درجة كبيرة من الوعي تجاه التهديد الإيراني إلا أن المكانة الدينية والثقل السياسي والقوة الاقتصادية التي تتمتع بها هذه الدول تضاعف عليها المسؤولية، وتجعلها أمام تحديات خطيرة لا مندوحة من مواجهتها، بعيداً عن قبول أنصاف الحلول والتسويف والمماطلة، فالتهديدات قائمة والأخطار قادمة، ومن الحكمة الاستفادة من التجارب وأخذ العبرة من الخبرة، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.

والمطلوب من الشعوب أن تعمل على إصلاح حالها، وتلتف حول قياداتها، وأن يكون الجميع في حالة استنفار لرفض أي فكر دخيل سواءً تكفيريا أو غربيا أو صفويا كما يجب على كل مواطن من موقع وظيفته أو مجال خدمته ومحيط نشاطه أن يقبل على عمله متحلياً بالإخلاص والولاء للدين ثم للوطن وولاة الأمر مع الحرص على عزة الأمة وكرامتها والدفاع عن مصالحها العليا وأمنها الوطني في منأى عن الانشغال بالملذات والركون إلى حياة الدعة والخمول، وما تفضي إليه من التضحية بالوقت وإهدار الجهد وتضييع المال فيما لا طائل من ورائه.

وفي الختام فإن التهديدات الموجهة إلى الدين الإسلامي والغزو الفكري والمد الثوري والتكفيري التي تتلبس بها هذه التهديدات وما يمثله ذلك من خطر على عقيدة الأمة سواءً من داخل العالم الإسلامي أو خارجه، يعتبر التصدي لهذا الخطر مسؤولية جماعية يتحملها المسلمون في كل مكان إلا أن كل دولة تتحمل مسؤوليتها تبعاً لقربها أو بعدها من مصدر التهديد ومكانتها وإمكاناتها، وحجم الخطر الذي تكون هي مسرح لحدوثه وقدرتها على دفعه.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد