استفتاني صديقي، قال: لي عمارة يأتيها ماء العين مرة في الأسبوع، وأحياناً يطول، وبدفع ضعيف لا يملأ ربع الخزان. وقد علم بأن سبب الضعف كثرة أصحاب العمائر الذين (يشفطون) الماء ب(ماطور) مخفي. ورغم انه رجل ملتزم ويخاف الله إلا أنه تعب من وقفة طوابير أشياب الماء على حساب عمله وأسرته وراحته. وقيام ....
....الحارس بهذا الدور لم تعد مسموحة لأنه (أجنبي)، (وكأنما الماء حق للمواطن فحسب! رغم أن (الناس شركاء في ثلاث الهواء والماء والكلأ). فهل يجوز له أن (يشفط) مع (الشافطين)؟
قلت له: إنني واجهت نفس المعضلة، ولكن قراري كان أسهل لأنني أسكن بيتا يملأ خزانه (وايتاً) واحدا في الأسبوع. ورغم أن (اللي رجله في النار مش زي اللي رجله في المويه) كما يقول المثل الجداوي، إلا أنني نصحته باتباع النظام حتى لا يظلم جيرانه الملتزمين به.
ليس صاحبي الوحيد الذي يجد نفسه كل يوم أمام قرارات متناقضة لابد ان يختار بين أكثرها قربا لضميره أو لمصلحته، لقلبه أو لعقله، لمجتمعه أو لنفسه.
بمعنى هل أتبع النظام العقيم فأقف على إشارة مرور ليس لوجودها مبرر إلا كونها وضعت كحل لمشكلة مؤقتة، أو توقيت محدود، وتركت بعد نهاية المشكلة وعلى مدار الساعة، أم أتجاوز الإشارة وألحق بموعدي؟ هل أقف في طابور لا أعرف ما إذا كان على الشباك الذي أريد، أم أقفز إلى الموظف لأتأكد، هل أحترم روتينا عقيما، أم ألجأ إلى الواسطة وأتجاوزه؟ هل اتبع التعليمات وقد لا أصل إلى حقي المشروع أم أدفع (الأتاوة) وأحصل عليه؟
قال لي صديق ألماني إنهم يعلمون أبناءهم احترام النظام حتى ولو خالف المنطق، فالكل يقف على إشارة مرور المشاة حتى ولو لم تكن هناك سيارة في الأفق البعيد. ويعطي السائق إشارة الانعطاف ولو لم يكن وراؤه أحد. والهدف أن (ينضبط) الناس ك(الساعة) في أمور حياتهم، ويتعودون على النظام (تلقائياً) فلا يقطعون الإشارة سهواً أو ينسون إعطاء الإشارة عندما يستدعي الأمر ذلك.
لا أقارن حالنا بحال ألمانيا أو غيرها، فنحن إن اتبعنا شرعنا أعظم. فالساعة التي يتمثلونها اليوم نحن من اخترعناها بالأمس المجيد. إلا أنني ألحظ ان الفرق ليس في مستوى اتباع النظام فحسب، ولكن في النظام نفسه. فالنظام الذي لا يحترمه من وضعه ومن قام على صيانته وتطبيقه، والنظام الذي وضع ليطبق (على ناس دون ناس)، والنظام الذي لم نحسن صياغته ولم نعمل على تحديثه وتطويره، هو نظام يحرض الناس على مخالفته وتجاهله وتجاوزه.
أدعو الدوائر المعنية بوضع الأنظمة ومجلس الشورى إلى مراجعتها وتحديثها بين حين وحين، وأن يؤخذ في الاعتبار تجارب تطبيقها، وأن تُسد الثغرات التي تجعل بعضها كما قال حكيم الهند وفيلسوفها (طاغور) (ما أغرب شباك النظام، ينفذ منها السمك الكبير ويقع في فخها الصغير).
فاصلة:
إذا تكلمنا فكلنا أصحاب مبادئ، وإذا عملنا فكلنا أصحاب مصالح.