Al Jazirah NewsPaper Saturday  16/08/2008 G Issue 13106
السبت 15 شعبان 1429   العدد  13106
اكسرها.. يا فضيلة الشيخ
عبدالعزيز السماري

جاء رد عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء الدكتور سعد بن ناصر أبو حبيب الشثري فوقياً وبعيداً نوعاً ما من صفات تلك المنزلة التي يطالب بها لعلماء الشريعة، فالدكتور تناول في مقاله (رفعة منزلة علماء الشريعة) .....

..... الصادر يوم السبت 8 شعبان 1429 هـ في عدد جريدة (الجزيرة) 13099 معظم عناصر الأفكار والآراء التي قدمتها في مقالي (وماذا بعد أفول السلطة الدينية)، لكن تعاليه أبى إلا أن يغفل اسم الكاتب الذي جاء تحت عنوان المقال... أجد في هذا التجاوز من عالم في الشريعة مخالفة لأبسط أبجديات الاحترام والتواضع المحمود في الدين الحنيف... كان له الحق الكامل أن يرد، وأن يعظ وينصح، وأن يختلف تماماً مع ما كتبته من آراء، لكن بشيء من التواضع تماماً مثلما فعلت بعض الشخصيات المهمة عندما ردت على كتاب رأي، ومع ذلك لم تمنعهم منزلتهم الرفيعة أو اختلافهم الشديد في الرأي مع الكتاب في أن يذكروا أسماءهم باحترام وتواضع جم..

ما جاء في معظم ردود الشيخ الدكتور مسلمات دينية ووطنية لا يُختلف عليها، وأجد في مقالي الأخير عن الإسلام والسلطة الرد المناسب على ما جاء في مقال فضيلة الشيخ الدكتور، فالقصد ليس الدين الإسلامي، ولكن سلطة دينية تقليدية تأفل، والسلطة والطاعة والقدرة على التأثير على الناس تنقاد إلى العلماء، ولها شروط وظروف زمنية يصعب حصرها في هذه العجالة، والعكس ليس صحيحاً، ومفهوم السلطة لا يجب أن يعني السلبية فقط، فقد يكون أحياناً إيجابياً ويخدم الدين والوطن، ولنا في سيرة الشيخين محمد بن إبراهيم وخلفه الشيخ ابن باز خير مثال على ذلك، ومن قبلهما الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله، فالناس كانت تنقاد لفتاويهم، وتحرص على طاعتهم..

لكن في الوقت الحاضر الأمر اختلف إذ تضاءلت قوة الفتوى ومدى تأثيراتها على الناس، وقد يكون التغيير حدث في طبائع الناس، وفي تطور مصادر معارفهم، وليس في قدر ومكانة العلماء ورفعة منزلتهم، والحل قد يكون في أمر التجديد والاجتهاد الديني، كذلك يحتاج المجتمع في هذه المرحلة إلى علماء منتجين للمعرفة المتجددة في فهم مقاصد الدين الحنيف، وليس في فقط إجادة فن التكرار، وتقديم التبريرات والتأويلات التي لا تخدم الواقع..، وما كتبته في هذا الشأن لا يعدو أكثر من رأي شخصي ستحكم الأيام صحته أو خطأه، وجاء من باب الحرص على مستقبل هذه البلاد الطاهرة، فالوطن يحتاج إلى عقول أكثر تنويراً وتأثيراً من أجل مستقبل أكثر أماناً واستقراراً..

عندما قرأت رد فضيلة الشيخ الدكتور لا أدري لماذا تذكرت ملحمة جلجامش، وهي ملحمة سومرية مكتوبة بخط مسماري على 11 لوحا طينيا اكتشفت لأول مرة عام 1853م في موقع أثري، ويجب أن تُقرأ من خلال معانيها الرمزية فقط نظراً لما تحتويه من أساطير تخالف العقيدة الإسلامية، تبدأ الملحمة بالحديث عن جلجامش الذي كانت والدته -حسب الأسطورة المزعومة- إلها خالدا ووالده بشرا فانيا، وإن ثلثاه إله والثلث الباقي بشر، وبسبب الجزء المهدد منه بالفناء، بدأ يدرك حقيقة أنه لن يكون خالدا، وسيفقد يوماً ما منزلته الرفيعة في قومه.. كانت رحلته في البحث عن الخلود طويلة، فقد كان يشعر بالخوف الدائم من ثلثه الإنساني، وكان قد أيقن من قبل أن تسخير الناس لطاعته لن يحقق له رغبة البقاء للأبد، وأنه بالتأكيد زائل إذا لم يجد حلاً سحرياً لحتمية فناء الجزء الإنساني في داخله، لكنه أدرك، وبعد سلسلة متوالية من الأحداث الرمزية، أنه لا محالة زائل، وأن لا طريق للخلود إلا بتحقيق الأعمال الخالدة والمؤثرة في حياة الناس..

علماء الشريعة بالتأكيد لهم منزلة رفيعة إذا كانوا قريبين من الأرض، وإذا كان اتصالهم لا ينقطع بالمجتمع، وعطاؤهم لا يتوقف عن خدمة الناس واستيفاء حاجاتهم وحقوقهم، وأيضا في القدرة على الاطلاع على المعارف الحديثة، وتقديم الاجتهادات التي تواكب المتغيرات المتتابعة في العصر الحديث، لكنني لا أعتقد مطلقاً أن رفعتهم تأتي فقط من الاكتفاء بمخاطبة الناس من أبراج عالية وبفوقية وتعالٍ غير معهود..

لا تخلو طبيعة النفس عادة من الكبر والنخوة، وقد تظهر علاماتهما في سلوك البشر بوجه عام، وقد تصيب طبائعهما الرموز والعلماء، لكن بعضهم ربما لا يعلمون، لكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يدرك إذا دخلت يوماً ما في نفسه كبر، وكان يعالجها بالقيام بأعمال لا يقوم بها عادة علية القوم.. قال عروة بن الزبير رضي الله عنهما: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء، فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا ينبغي لك هذا. فقال: (لما أتاني الوفود سامعين مطيعين - القبائل بأمرائها وعظمائها - دخلت نفسي نخوة، فأردت أن أكسرها).. وأحسب أن فضيلة الشيخ الدكتور سعد بن ناصر أبوحبيب الشثري عليه أن يكسر فوقيته وتعاليه التي ظهرت بجلاء في رده، وفي تغييبه التام لاسم شخصي المتواضع، وأترك له حرية الاختيار في الطريقة التي يجدها مناسبة لكسرها مثلما فعل عمر الفاروق رضي الله عنه.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6871 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد