أما قبل الدخول في محاولة الإجابة على هذا التساؤل الملحّ أحب بيان مفهوم الالتزام المعني هنا، وهو: متابعة الفرد لفعل أو أفعال بدأ بها من نفسه أو أوكلت إليه ويأخذ عليها أجراً.
وليس التدين المسمى خطأً بالالتزام، لأن هناك من يلتزم عكسياً أي يلتزم طريق الفساد والإفساد.
فثقافة الالتزام من وجهة نظري: لا أقول تعتريها الضبابية أو ليست واضحة بل هي أوضح من عين الشمس في رابعة النهار، فأينما وجهت نظرك فإنك ترى خللاً في التزامنا في كثير من الأفعال وفي مجالات لا حصر لها في حياتنا.
فهناك الالتزام بالعمل الذي يوكل للفرد، ويأخذ عليه أجراً كالموظف الحكومي أو موظف القطاع الخاص.
فهل التزم كل موظف بعمله تمام الالتزام؟
حضور بعض الموظفين متأخرين، وخروجهم قبل انتهاء وقت دوامهم، لوحده يعطي إجابة موجزة دون الخوض في تفاصيل لا تخفى على كل ذي بصيرة ممن يراجع بعض الدوائر أو القطاعات.
والوالدان في بيتهما ومع أبنائهما، هل التزما بما عليهما نحو الأبناء؟
هناك تقصير واضح من بعض الآباء نحو أبنائهم وخصوصاً عند بعض مَن وفَّر سائقاً للأسرة. فالسائق هو الذي يذهب بالأولاد إلى المدرسة وهو الذي يرجع بهم، وهو الذي يذهب بالأسرة إلى السوق، وهو الذي يذهب بالأسرة إلى البر، وكانت هذه مثار تعجب الكثير قبل فترة، حتى رأينا من يجعل السائق يسافر بعائلته إلى خارج مدينته فزال العجب، لأن الطوام تصغر عند بعض!!
والأم لا تخلو من (عدم التزام) نحو أبنائها في بيتها متى ما توفرت الخادمة التي تجيد الطبخ وتجيد أداء دور (الأم البديلة)، فهي في بعض البيوت تشرف على نوم واستيقاظ الأطفال وحتى الكبار منهم!
وهي التي تطبخ وتنفخ، وهي التي ترتب في بعض الأحيان (وليمة) بكل تفاصيلها، وهي التي تربي، وكيف تربي الخادمة؟ أترك أسطراً كثيرة لمن يريد الإجابة!
ثم لنعرّج على فصل طريف من فصول عدم الالتزام لدينا وهو سبب كتابة هذا المقال وإن لم يكن أهم فصوله.
أتمنى أن تقوم جهة ما بعمل استبيان موثق حول مدى انتظام أو (التزام) السعوديين بالحضور في الأندية اللياقية أو المراكز الرياضية التي اشتركوا فيها أو انضموا إليها؟
حسب تجربتي البسيطة في ناديين رياضيين فإني أعطي غير الملتزمين بالحضور نسبة تتراوح بين 90% و95% وأرى أنها قابلة للزيادة تبعاً لحالة الجو سلباً أو إيجاباً وخصوصاً في مدينة كالرياض. كما أن الغياب عنها يتراوح ما بين أيام وأسابيع إلى أشهر!
فيا عجبي لحالنا وسرعة مللنا من شيء دفعنا لأجله مالاً، ويعود علينا بالنفع العظيم بمشيئة الله، فما الذي يجعلنا ننطلق بسرعة الصاروخ نحو هذه الأندية في بداية الانضمام، ثم نمشي مشي السلحفاة في وسط الفترة، ثم لا نلبث أن نخمد خمود بركان ثار منذ آلاف السنين؟؟؟
إذاً نخلص إلى أن الالتزام غائب عن كثير منا، لكن لماذا؟
أتمنى إبداء الرأي، وإن كنت أفضِّل التركيز على الفصل الأخير من هذا المقال فهو أكثرها إثارة وغرابة. فقد يكون سبب عدم التزامنا في الأندية اللياقية نابع منا وقد يكون منها!
Al-boraidi@hotmail.com