Al Jazirah NewsPaper Thursday  14/08/2008 G Issue 13104
الخميس 13 شعبان 1429   العدد  13104
التبيان لفضائل ومنكرات شهر شعبان
د. نايف بن أحمد الحمد

لقد فضل الله تعالى بعض الأزمنة والأوقات على بعض وخصها بأمور دون غيرها ومن ذلك شهر رمضان والعشر الأواخر خيره وليلة القدر أفضل لياليه قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألف شَهْرٍ} (القدر:3) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري (1802)، ومنها عشر ذي الحجة فقد حُث فيها على مزيد من الطاعة والعبادة أكثر من غيرها فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إلى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ). يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ (وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَىْءٍ) رواه البخاري (926) وأبو داود (2440) واللفظ له. وغير ذلك من الأزمنة الفاضلة كالثلث الأخير من الليل ومن هذه الأزمنة شهر شعبان فالناس فيه طرفا نقيض ما بين منكر لما خص فيه من عبادات ومن مبتدع فيه ما لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم والحق الوسط في ذلك فنثبت ما أثبته الشرع من غير زيادة ولا نقصان وهذا ما سيرد بيانه إن شاء الله تعالى.

سبب تسمية شعبان

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى (وسمي شعبان لتشعبهم في طلب المياه أو في الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام وهذا أولى من الذي قبله وقيل فيه غير ذلك) ا.هـ فتح الباري 4-213 وانظر كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي 1-319

ومن فضائله أن الأعمال ترفع فيه

لما رواه أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأعمال إلى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) رواه أحمد (21753) والنسائي (2356) وصححه ابن خزيمة.

كثرة صيام النبي صلى الله عليه وسلم فيه

لحديث أسامة السابق ولحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ في شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ. رواه البخاري (1868) ومسلم (2777).

حكم صيام النصف من شعبان

عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَأَمْسِكُوا عَنْ الصَّوْمِ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ) رواه أحمد (9707) وصححه ابن حبان (3589) قال ابن رجب رحمه الله تعالى: صححه الترمذي وغيره واختلف العلماء في صحة هذا الحديث ثم في العمل به: فأما تصحيحه فصححه غير واحد منهم الترمذي وابن حبان والحاكم والطحاوي وابن عبد البر وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم وقالوا: هو حديث منكر منهم ابن المهدي والإمام أحمد وأبو زرعة الرازي والأثرم وقال الإمام أحمد: لم يرو العلاء حديثا أنكر منه. ا.هـ لطائف المعارف - 151 أما صيام النصف من شعبان مفردا فهذا لا أصل له بل إفراده مكروه نص عليه الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى في الاقتضاء 2-632 وقال المباركفوري رحمه الله تعالى: (لم أجد في صوم يوم ليلة النصف من شعبان حديثا مرفوعا صحيحا) ا.هـ تحفة الأحوذي 3-368

أما حديث (إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها وصوموا نهارها) فقد رواه ابن ماجه (1388) والبيهقي في الشعب (3922) وابن الجوزي في العلل المتناهية 2-562 وقال: حديث لا يصح. وقال البوصيري رحمه الله تعالى: هذا إسناد فيه ابن أبي سبرة واسمه أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة قال أحمد وابن معين يضع الحديث. مصباح الزجاجة (491) وقال المباركفوري: ضعيف جدا. تحفة الأحوذي 3-368

ليلة النصف من شعبان

عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يَطَّلِعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِر لِعِبَادِهِ إلا لِاثْنَيْنِ مُشَاحِنٍ وَقَاتِلِ نَفْسٍ) رواه أحمد (6642) من طريق ابن لهيعة.

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) رواه ابن ماجه (1390) قال البوصيري رحمه الله تعالى: إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن لهيعة وتدليس الوليد بن مسلم. الزوائد (493) وله شاهد رواه ابن حبان (5665) من حديث معاذ رضي الله عنه قال أبو حاتم الرازي رحمه الله: (هذا حديث منكر بهذا الإسناد) العلل لابن أبي حاتم (2012) وذكر الدارقطني الحديث في العلل من عدة طرق ثم قال (والحديث غير ثابت) ا.هـ

وعن زيد بن أسلم رحمه الله تعالى قال: ما أدركنا أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان، ولا يلتفتون إلى حديث مكحول، ولا يرون لها فضلا على ما سواها. انظر: البدع للطرطوشي -130 والبدع لابن وضاح-46

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (أما ليلة النصف من شعبان فقد روى في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها) ا.هـ اقتضاء الصراط المستقيم 2-631 ويلاحظ هنا أن الأحاديث الواردة في فضلها لا تخلو من مقال واضطراب ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه تخصيصها بقيام أو صلاة وإنما جاء ذلك عن بعض السلف قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: (كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها وقد قيل إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك فمنهم من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها منهم طائفة من عبَّاد أهل البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة وهو قول أصحاب مالك وغيرهم وقالوا: ذلك كله بدعة) ا.هـ لطائف المعارف -151

وقد زعم أقوام أن المراد بقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} (الدخان:5) أنها ليلة النصف من شعبان وهذا خطأ بيِّن بل المراد بذلك ليلة القدر كما صوبه ابن جرير رحمه الله تعالى في تفسيره 11- 221، وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: وهذه هي ليلة القدر قطعا لقوله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر) ومن زعم أنها ليلة النصف من شعبان فقد غلط. ا.هـ شفاء العليل -45 وقال ابن كثير رحمه الله تعالى (ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان فقد أبعد النَّجْعَة فإن نص القرآن أنها في رمضان) ا.هـ التفسير 7-232 وقال الشنقيطي رحمه الله تعالى (إنها دعوى باطلة) ا.هـ أضواء البيان 7-319

صلاة الألفية

ومن البدع المنكرة في شهر شعبان ما أحدثه بعض الناس في القرن الخامس من تخصيص ليلة النصف بصلاة سموها صلاة الألفية وأول من ابتدعها ابن أبي الحمراء سنة 448هـ وكان حسن التلاوة حيث قام يصلي في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان فأحرم خلفه رجل وهكذا فما ختمها إلا وهو في جماعة ثم جاء العام القادم فصلى معه خلق كثير وشاعت وانتشرت. انظر: الحوادث والبدع -132 والباعث -124 قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (وهذه الصلاة وضعت في الإسلام بعد الأربعمائة ونشأت من بيت المقدس فوضع لها عدة أحاديث) ا.هـ المنار المنيف -98 قال أبوشامة رحمه الله تعالى: (وللعوام فيها افتتان عظيم... وزين لهم الشيطان جعلها من أصل شعائر المسلمين) ا.هـ الباعث -124

وصفتها ما جاء في الأثر المكذوب (يا علي من صلى مائة ركعة في ليلة النصف، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد عشر مرة يا علي ما من عبد يصلى هذه الصلوات إلا قضى الله عز وجل له كل حاجة طلبها تلك الليلة) رواه ابن الجوزي في الموضوعات 2-127 من عدة طرق ثم قال: (هذا حديث لا نشك أنه موضوع، وجمهور رواته في الطرق الثلاثة مجاهيل وفيهم ضعفاء والحديث محال قطعا... وقد جعلها جهلة أئمة المساجد مع صلاة الرغائب ونحوها من الصلوات شبكة لمجمع العوام وطلبا لرياسة التقدم وملا بذكرها القصَّاص مجالسهم وكل ذلك عن الحق بمعزل) ا.هـ وقال أبو شامة رحمه الله تعالى: (وهي صلاة طويلة مستثقلة لم يأت فيها خبر ولا أثر إلا ضعيف أو موضوع) ا.هـ الباعث على إنكار البدع -124 وانظر: الأمر بالاتباع للسيوطي -139 وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (إن الحديث الوارد في الصلاة الألفية موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث) ا.هـ اقتضاء الصراط المستقيم 2- 632وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: (ومن الأحاديث الموضوعة أحاديث صلاة ليلة النصف من شعبان - إلى قوله - والعجب ممن شم رائحة العلم بالسنن أن يغتر بمثل هذا الهذيان ويصليها) ا.هـ المنار المنيف -99 وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية رحمه الله تعالى: وقد روى الناس الأغفال في صلاة ليلة النصف من شعبان أحاديث موضوعة وواحداً مقطوعاً وكلفوا عباد الله بالأحاديث الموضوعة فوق طاقتهم من صلاة مائة ركعة في كل ركعة الحمد لله مرة وقل هو الله أحد عشر مرات فينصرفون وقد غلبهم النوم فتفوتهم صلاة الصبح التي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (من صلى الصبح فهو في ذمة الله) ا.هـ الباعث -127 وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: (وقد رأينا كثيرا ممن يصلى عدة الصلاة ويتفق قصر الليل فيفوتهم صلاة الفجر ويصبحون كسالى) ا.هـ الموضوعات 2-127 وقال السيوطي رحمه الله تعالى: (والعجب من حرص الناس على هاتين الليلتين - الألفية والرغائب - وتقصيرهم في الأمور المؤكدات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ا.هـ الأمر بالاتباع - 136 والمحذور هنا هو تخصيص هذه الليلة بصلاة دون غيرها أو أداء الصلاة فيها على الصفة المذكورة المنكرة قال أبو شامة رحمه الله تعالى: (المحذور المنكر تخصيص بعض الليالي بصلاة مخصوصة على صفة مخصوصة وإظهار ذلك على مثل ما ثبت من شرائع الإسلام كصلاة الجمعة والعيد وصلاة التراويح فيتداولها الناس وينشأ أصل وضعها ويربى الصغار عليها قد ألفوا آباءهم محافظين عليها محافظتهم على الفرائض بل أشد محافظة ومهتمين لإظهار هذا الشعار بالزينة والوقيد والنفقات كاهتمامهم بعيدي الإسلام بل أشد على ما هو معروف من فعل العوام وفي هذا خلطوا ضياء الحق بظلام الباطل) ا.هـ الباعث - 132

وخير من هذا كله ما رواه أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ) رواه البخاري (1094) ومسلم (1808) وهذا من فضل الله تعالى وكرمه ورحمته بهذه الأمة أن جعل ذلك في كل ليلة فله الحمد أولا وآخرا.

ومما يشرع في شهر شعبان أن من عليه قضاء من رمضان لا يجوز له تأخيره حتى دخول رمضان الذي يليه من غير عذر عن عَائِشَةَ - رضى الله عنها - تَقُولُ كَانَ يَكُونُ عَلَىَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إلا في شَعْبَانَ وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. رواه مسلم (2744).

ومما ينهى عنه في شعبان صيام يوم الشك لما رواه صِلَةُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ رضي الله عنه فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَأُتِي بِشَاةٍ فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ عَمَّارٌ: مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم-. رواه أبو داود (2336) والنسائي (2187) وابن ماجه (1645) وصححه ابن حبان (3596) والحاكم (1547) اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم موافقة لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. حرر في 7-8-1429هـ.

- القاضي في المحكمة العامة بالرياض



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد