لا يخفى على أحد ما للتعليم من دور في نهضة الأمم، ويقاس تطور المجتمعات بتطور التعليم بها، والمملكة يرعاها الله بدأت في مراحلها التعليمية تاريخياً من الكتاتيب حتى وصلت إلى العديد من الجامعات والمئات من الكليات والمعاهد المتخصصة.
المتأمل لأعداد الخريجين من الثانوية العامة يرى الازدياد المتنامي لكل سنة عن سابقتها، وهذه الزيادة تزامنت معها زيادة مطردة ومتسارعة في التحصيل النوعي العلمي للخريجين، والشباب على مختلف فئاتهم الجنسية (فتيان وفتيات) يبنون آمال عريضة للقبول في الجامعات الحكومية رغم حصولهم على معدلات عالية من الدرجات سواء في الشهادة الثانوية أو اختبار القدرات والقياس، إلا أن ذلك لا يجديهم ولا يخولهم للقبول بسبب الحاجز الأزلي المسمى بالطاقة الاستيعابية للجامعات؟؟
هذه الأيام هي أيام القبول في الجامعات، والكل يعلم المعاناة التي تتكبدها أفواج الخريجين من الثانوية العامة، وهذا الهم الذي يحمله كل خريج ليجد له مقعداً يلبي له طموحاته وأمنياته رغم تسلحه بتفوق قادر على قبوله في أي جامعة مرموقة في العالم. إلا أننا ما زلنا وسنظل نقول بأن القدرة لاستيعاب الطلاب بالجامعات محدد وبشكل ضيق.
برنامج خادم الحرمين الشريفين - رعاه الله - للابتعاث الخارجي كان ولا يزال رافداً أساسياً للتحصيل العلمي العالي، والجامعات الأهلية في الداخل أخذت نصيبها من الدعم الحكومي سواء في إنشائها أو حتى مواصلة رسالتها المهنية العلمية وإنجاز أعمالها ولكن هذا الدعم ينصب تجاه الجامعات ولا نجد له مقابل تجاه الدارسين بها.
الجامعات الأهلية هي اللبنة التي يؤمل منها أن تسد ثغرة القبول بالجامعات الحكومية ومتوقع منها أن تصبح صروحاً علمية تستقطب الدارسين داخلياً وخارجياً والمؤمل منها أن تكون مراكزاً للبحث العلمي وليس تلقين وتدريس الطلاب بها.
هذه الجامعات الأهلية لازالت أعداد القبول بها لا تواكب طموحات المجتمع رغم المخرجات العلمية لتلك الجامعات، وخاصة المخرجات الطبية والهندسية.
المشكلة أن الوزارة لديها سقف أعلى في القبول ولكن ليس لديها أرضية للقبول.
تنامي ظاهرة الدارسين لدى الجامعات بالدول المجاورة على حسابهم أصبحت مشكلة وتتزايد سنة بعد أخرى.
سيقول أحدهم: إن مشكلة هذه الجامعات الأهلية تكمن في الرسوم الدراسية العالية التي تتقاضاها لقبول الطلبة والتي تصل في مجملها إلى مبالغ خيالية لا تستطيع الشريحة العريضة من أسر المجتمع أن تسدد تلك الرسوم لمحدودية إمكانياتها المادية.
المأمول من وزارة التعليم العالي أن تنظر إلى الجامعات الأهلية على أنها رافد من روافد العلم في بلادنا، ولكن كما يُقال في المثل العامي (ورى عمك ما يكسيك قال عمي يشوفني).
المجتمعات الأخرى تحاول بشتى الوسائل توطين العلم لديها ونحن بتصرفات بعض الجهات الحكومية نقوم بطرد توطين المراكز العلمية، وفي دول قريبة منا وليست بعيدة ومنها دولة (الهند) أصبحت في سنوات قليلة لديها أرقى مراكز البحث العلمي المتخصصة في مجال برمجيات الحاسب الآلي والتي تفوقت في مجالها على كثير من الدول الغربية في هذا المجال، كل ذلك لاهتمام توطين التعليم لديهم.
وزارة التعليم العالي يجب أن يكون لديها برنامج للابتعاث في الداخل (نحن لا نملي على الوزارة أوامر وشروط وإنما أماني قابلة للتحقيق) وهناك برنامج لدعم الابتعاث الداخلي ولا ننكر الدور الذي تقوم به ولكن هذا البرنامج لا يرقى بأن يكون بطموحات المجتمع فلو كان البرنامج مماثل لبرنامج الابتعاث الخارجي لاستطعنا أن نكسب أموراً كثيرة وإنجازها.
أعتقد ولا أجزم (ولعلي أخطئ في اعتقادي) بأن وزارة التعليم العالي ليست لديها الرغبة في معالجة هذه المشكلة وتبني الحلول المثلى لعلاجها، ولكن نتمنى أن تبادر الوزارة إلى دعم الابتعاث الداخلي والتوسع فيه.