Al Jazirah NewsPaper Thursday  14/08/2008 G Issue 13104
الخميس 13 شعبان 1429   العدد  13104
(في حضرة الغياب): (سقط الحصان عن القصيدة)
وداعاً محمود درويش مراثي للرغبة والطفولات

دمعة:

وقتما يغادرنا الشاعر، نشرب من سكون قصيدته الأخيرة،

ونرقد على صورة لشفتيه، حين نطقتا بآخر سطر من شعر

الوطن والعذابات..

في البدء المرقّم بالخوف

كتب سطر قصيدته الأولى

وارتحل في غضبة الشراسات..

وفي الختام، حيث الماء

صار صورة للأم

بدأ سطر قصيدته الحبلى

وتمدد في حجر الكلمات..

اليوم يا وطني صرتَ يتيما

عندما علقني الموت

بأبواب المنافي

وجعل من عيناي أغنية لرعاة الليل

كي لا يناموا حزانى..

اليوم يا وطني صرت يتيما

فاجلد ظهور النائمين

كي يبتسموا لكراريس الشعر

لعلها أصبحت حزينة..

اليوم يا وطني،

يا وطن الكلمات

شئت أم أبيت

أنام وضفافك

على جدائل امرأة

لا تعرف القراءة

ولا تعرف كيف تخيط للموت

دموعا ولا صرخات..

اليوم يا وطني

على التلّة المضاءة بالروح

ارحل في جوقة الشعر

مبجّلا بالسّطوة

والرّغبات..

كنتُ يا وطني وحيدا

في المنفى

في اللغة

في الحلم

في القصائد الشهيدة

على مقاصل الحرية

والشهوات..

لا أملك يا وطني

سيفا بتارا

ولا املك بندقية

ولا مقلاعا

املك يا وطني

صوتا جهوريا

يهز المنابر

ويرجف الفضاءات..

في حقلي البعيد

في غور الذات

ارحل في خفايا الامتلاك

وأعلن خجولا

عن كوني

طفلا شقيا

طفلا لا يملك

سوى العديد من اللعب

والطفولات..

تأتلق الجنائزية

يزدهر الدف الغريق في كف المناضل

وتُرسم قناديل الفراغ البهي

على سواحل الضجيج...

نعشك المعشق بأسارير أحلامنا

وميض الكلمات المتاخمة لبياض الأردية

النغمات المرققة، فواصل اللغة المباغتة

النشيد المؤقت على الشفاه العابرة:

عابرون إلى الصخرة

إلى القبة

إلى المسجد الضليع في الشهقة

في النزيف المختوم بريق الشهادة

بريح القصيدة الطفلة،

عابرون إلى الوطن إلى المودة

إلى الجسد البهيج

رغم المنافي ورغم المغبّة..

وداعا يا قيلولة رام الله

وداعا يا فجر القدس الشهي

وداعا يا براق الركن النقي

وداعا يا وجه المنفى الشقي

وداعا يا شوق الوطن

المنغم في وصايا النبوات...

اليوم يا وطني، ارقد رقدة المحبين

في وطن الرعشة والسكون

في وطن الرغبة

حيث لا عشقك ولا جنون

ارقد بين نظارتي والمتون

كما لم ارقد من قبل

عاشقاً

في ممرات بيضاء

اشرب لبن أمي القديمة

وافرش زيتونة منفاي

وألاعب صورة أبي حين كان

يتوسد أساه

ويعبر الأوطان..

اليوم يا وطني أنا حر.. حر.. حر..

اليوم يا وطني،

(حاصر حصارك لا مفر

فأنت (أيضاً)

حر وحر وحر..)

عبد الحفيظ بن جلولي



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد