لي مع قطارنا الجميل حكايات كثيرة عبر أعوام طويلة تزيد على الأربعين عاما رغم ما يقال عنه أو يتهم به من توقف عند مرحلة زمنية لم يتطور فيها أسوة بما يحدث للقطارات العالمية من تحديث في الشكل والسرعة والخدمات إلا أن هذه العلاقة الروحية معه لا يمكن أن تغير رأيي فيه بأنه وسيلة ناجعة تحل الكثير من المواقف وتسهل سبل الوصول إلى المنطقة الشرقية.
وقبل أن أتحدث عن موقفي الأخير مع قطارنا الحبيب من بين بقية المواقف الرائعة التي تحتاج لوقت ومساحة لسردها أشير إلى أن هذا القطار يحتل مكانة كبيرة في قلوب المسافرين بين المحطات الثلاث الدمام والأحساء والرياض يبرز من خلال ازدحامه بالركاب مما يضطرك للحجز المبكر.
أعود لموضوع هذه الرحلة التي اختار في مثيلاتها عربة رحاب التي تشعرك بنسبة كبيرة بسعي المسئولين عن القطار للتجديد، فهي جميلة في مظهرها وهادئة في غالب الأحيان من ضوضاء الأطفال ولعبهم الذي لا تخلو منه العربات الأخرى، في هذه الرحلة من الدمام للرياض شاهدت ما أسعدني وأشعرني أن هناك من يعي دور التعبير بوسائل الفن من رسم وتلوين والاستفادة منها في مثل هذه الأوقات فقد تحولت مجموعة من مقاعد العربة إلى فصول لدورة في الرسم يمارسها مجموعة من أطفال عائلة مسافرة يصل عدد أولئك الأطفال إلى الستة كل منهم يمتلك أقلاما ملونة وكراسة رسم يتنقلون بين كبار العائلة مستعرضين ما أنجزوه ليتلقوا التوجيه والإشادة وتصحيح الأخطاء، مشهد لا يمكن أن يتكرر إلا لمثل هذه العائلة الراقية فكرا وذوقا وفهما لكيفية الاستفادة من الوقت وإفادة أبنائهم، تمنيت وقتها أن أشاركهم هذا المهرجان التشكيلي المسافر عبر صحراء تلهمهم جمال البيئة المتعدد بين كثبان رمال وجبال وتنوع ألوان أجزم أنها ستكون مصدرا لإبداع هؤلاء الصغار مع ما تجود به عقولهم من خيال مليء بكل ما يحبون ويعشقون رسمه.
هذا المشهد توافق مع ما أعيشه خلال الرحلة في تفاصيل رواية للكاتبة أحلام مستغانمي التي يشكل الفن التشكيلي جزءا هاما منها فكنت أسترق الوقت من بين صفحات الرواية لأتابع أحداث ما يستحق أن يطلق عليه المهرجان التشكيلي الأسري فما يتم من قبل أولئك الفنانين الصغار أكثر إغراء للمتابعة وتحريضا لغريزة حب الاستطلاع ومعرفة الكثير عن هذه الأسرة التي اختارت هذا الفن والاهتمام بكل تفاصيل ما يرسمه أطفالهم وقبول استفساراتهم البريئة بكل رحابة صدر، بينما يشاهد في موقع آخر من العربة عدد من الأطفال البعض دفعهم التذمر من طول المسافة إلى الحركة الكثيرة المؤذية لهم ولآبائهم أما البعض الآخر فقد انشغل بالألعاب الإلكترونية المحمولة.
MONIF@HOT MAIL.COM