قلتها يا محمود شعرا.. وأقولها لك نثرا، مكلفاً من كل الأسماء والعناوين، بأنك الآن تثبت أن الرحيل الظالم لا يستطيع أن ينال من قامتك المتسقة مع خصلات شعرك ومع ابتسامتك التي يحلو لها أن ترتاح على رصيدك الزاخر بالعطاء، حيث ينمو عليه حنين تحميه الدماء والدموع لصناعة الوطن، الذي تختلط في نسيجه الأحلام والأماني وعَرق الأبطال وزغاريد الصبايا.. كنت هكذا تزهو بكلمات تنبثق من رأسك غير المستقر على الكتفين، يضج من القلق وتأبى دائماً ألا يتوقف حتى ينطق.. وينطق يا محمود شعراً ودستوراً.. وطني ليس حقيبة.. وأنا لست مسافر.. إنني العاشق والأرض حبيبة.. هي الأرض يا محمود بخلاياها التي طرزتها كما تفعل النحلة صاحبة القدرة المبهرة، في الإدارة والتنظيم، وفي إطارها تتشكل رؤيتك التي تطغى على قسوة المجتمع وقسوة الألم، ويصحو الوفاء على شفتيك، تنطقان الشعر والشعر المقاوم يا محمود، لتخاطب العالم اجمع وأنت فوق الجبال الفلسطينية.. هذه الأرض.. سيدة الأرض.. أم البدايات وأم النهايات.. كانت تسمى فلسطين وصارت تسمى فلسطين، وترنو إلى هذا الكون المفعم بالنفاق والمتناقضات وتصرخ قاوم قاوم، ولا تعتذر عما فعلت.. أنت الآن أنت يا محمود واضحاً فوق صهوة الإباء والأمل.. كأنك تمتطي ظهر الأسد، يتحرك مع أنفاسك شهيقا وزفيرا ولا تتوقف في عينيك دموع الفرح، تنهمر مع زغاريد الصبايا والمرأة الذي نبت في حلقك وصفك لها فأطلقته حامية نارنا في وثيقة الاستقلال، تندلع الكلمات من موهبتك التي أبدعت في الحفر والتنقيب عن موروثنا الذي فاض باندفاع ولا تستطيع قوة أن توقفه، بل أيقظ الطرف الآخر الذي خيم على الجديدة مسقط رأسك، واهما أنه قادر على محو الذاكرة الوطنية فإذا بها تعظم وتتباهى، وتتدحرج الأعراس والأشواق من خلاياها، تهزم بل تكوي وَهْمَ الآخر الذي عبر عنه شارون حين أخذ يردد عن محمود أنه يحسدك على وفائك الذي يجسد عصارة الحياة الإنسانية، لوطنك ولشعبك الذي امتطى صهوة الحصان معك، وهو يردد شعرك المكتنز بتلك الإرادة، التي تحرك الفعل وتواجه المصاعب وتبددها، وتعزز الثقافة الفلسطينية التي تأبى النسيان والاندثار، وتزدهر على الشفاة كزهر اللوز أو أبعد، وتجيب على صرختك لماذا تركت الحصان وحيدا.. نعم نجيبك يا محمود وأنت تغفو على صدر الغياب في وطنك، وفي ثرى أرضك، قلمك معك مثلما رحل السيف من قبلك وستجده أمامك، وفي نسيج الغياب، تركتنا بعد سهر الليالي الطويلة، مفعمة بهمساتك ونظرات عينيك السابحتين في فضائنا، بعد أن ملأته بالشجاعة والأمل، ولم تتركه بلا مرشد أو دليل، بل إن كل كلمة من أشعارك دستور لليقظة، له رائحة الزهور، ورائحة قهوة الأم، وناعمة كلمسة الأم التي غفوت على صدرها، وعشقت عمرك وعمرها، ورضعت ثديها فأرضعتك الانتماء الذي أنطقك.. على هذه الأرض ما يستحق الحياة ويردد يا محمود.. كل هذه الأرض هي لك، لأنك الأوفى لها منا جميعا، ولأنك غرست في كل ذرة من ترابها المقاومة والمقاوم، وأقول لك يا محمود.. كل ألف سنة، تنبت وردة في جبال الثلج.
حكم بلعاوي - عضو اللجنة المركزية لحركة فتح