نظام الكفالة لدينا، وكذلك في دول الخليج، هو بشكل أو بآخر نظام متعسف. أعرف أن هناك مساعي حثيثة من قبل منظمات حقوق الإنسان السعودية لإلغاء هذا النظام، والاستعاضة عنه إما بشركات توظيف عمالة متخصصة، بحيث تقوم الشركة بدور الكفيل، وتضمن للوافد أو العاملة البحث عن عمل حسب آلية العرض والطلب في سوق العمل؛ وما زال التوجهان - حسب علمي - محل تداول ونقاش بين الجهات المعنية بهذا القرار في الدولة. كما أعرف - أيضا - أن أياً من الحالتين - كفالة الدولة، أو كفالة شركات التوظيف المتخصصة - لهما جوانب سلبية، وأن هناك بعض المحاذير التي أخرت إلغاء نظام الكفالة الذي يندى له الجبين؛ غير أننا يجب أن ندرك أن أي قرار مهما كان لا يمكن أن يكون خالياً تماماً من السلبيات، المهم - وهذا هو الفيصل - أن تكون إيجابياته أهم من سلبياته.
وأنا - بالمناسبة - أشعر بتعاطف مع خادمات المنازل اللواتي يهربن من كفلائهن، التي تحولت إلى ظاهرة يتحدث عنها الجميع. فهذه الإنسانة ترضخ في بيوتنا إلى أقسى أنواع الاستعباد، فأكثرهن يعملن من الاستيقاظ وحتى النوم، ويتعرضن لشتى أنواع التعذيب والامتهان، ولا يتمتعن طوال فترة عقد العمل بأي إجازة أو فترة راحة، هذا إضافة إلى تدني أجورهن مقارنة بما يقدمنه من جهود متواصلة لا تتوقف طوال مدة العقد. هذا إضافة إلى أن بعض هؤلاء الخادمات لا يتسلمن رواتبهن بطريقة منتظمة، فبعض الكفلاء يعمد إلى تأخير رواتبهن بغرض الضغط عليهن للعمل أكثر، وهم في مأمن من المساءلة، وفي المقابل تضطر الخادمة إلى الرضوخ خوفاً من (التسفير)، الذي هو الشبح الذي تخشى منه، وهي التي دفعت الغالي والرخيص لتحظى ب(فيزة) الدخول.
في كل أسواق العالم، آلية العرض والطلب هي التي تحدد سعر الأيدي العاملة حسب متطلبات السوق. وعندما تعطي للطرف الذي يمثل الطلب (رب العامل) القدرة والحماية للتحكم في العرض الذي يمثله (العامل)، فإننا نخل أول ما نخل بهذه الآلية. ولعل من أهم سلبيات نظام الكفالة، وتدخل النظام لحماية رب العمل على حساب العامل، وعدم ترك آلية العرض والطلب التي تقرر الأجور لأن تعمل بحرية، ما نلحظه في المملكة من تفشي ظاهرة البطالة، فرب العمل سيفضل العمالة (الأرخص) التي يتحكم فيها، ويفرض أجورها، التي يتيحها له نظام الكفالة، على أن يوظف العمالة الوطنية. ومهما حاولت السلطة التدخل لمصلحة السعودي، فإن هناك أساليب وحيلاً متعددة للتهرب من فرض العمالة الوطنية على رب العمل، أما النتيجة فإنها ستؤدي (لا محالة) إلى تفاقم أرقام البطالة الوطنية.
من هنا يمكن القول إن الآثار السلبية الناتجة من نظام الكفالة لا تنعكس (فقط) على الوافدين فحسب، وإنما تمتد لتشمل السعوديين كذلك، من خلال مساهمتها الفعالة في تجذير البطالة، وتحويلها إلى ما يشبه (العلة) الاجتماعية التي تستعصي على العلاج.
إننا معنيون ومن منطلقات إنسانية وكذلك وطنية، للعمل على إلغاء هذا النظام الجائر، لأن سلبياته الإنسانية والاقتصادية لا يمكن الدفاع عنها.