تُعد سياسات القبول بالجامعات مؤشراً مهماً على مدى ما يناله التعليم الجامعي من اهتمام، ودليلاً على ما تعمل فيه يد التطوير وبرامجه من جهد، ولا يشك مُنصف أن تعليمنا الجامعي في المملكة قد حقق في سنوات قليلة قفزات كبيرة من حيث عدد الكليات والجامعات وانتشارها في مختلف أنحاء الوطن في فترة قياسية من الزمن، وتم ذلك بإدراك قادة المملكة لأهمية الجامعات في تطوير مجتمعنا وتجهيز أبنائه ليشاركوا في مسيرته التنموية المظفرة، وقد أنفقت الدولة - أعزها الله - الكثير لتوفير فرض التعليم الجامعي حتى أضحى لدينا من الخريجين ما نفخر بكفاءتهم في ميادين العمل المختلفة، وهذه الحقيقة لا يمكن نكرانها إذا ما تجولنا بأبصارنا وذاكرتنا في ميادين الطب والهندسة والعلوم المتعددة التي تبوأ فيها أبناء الوطن مكانة متميزة شهد العالم المعاصر بها.
وحيال هذه الحقيقة كان إشفاق المتابعين لمسيرة التعليم الجامعي وحرصهم على ازدهاره وتطيره، وما الضجة التي تثار كل عام حول القبول في الجامعات وسياساته وآلياته إلا دليل واضح على رغبة أبناء المملكة في أن يصبح التعليم الجامعي محققاً للطموحات، ملبياً للرغبات، فاتحاً أبوابه لأبناء الوطن ليكملوا دراساتهم، غير أن واقع القبول بسياساته وآلياته في جامعاتنا السعودية يحتاج إلى نظرة واعية منصفة لتقييم ما يحدث، ودراسة ما يتم في ساحة القبول.
ومبدئياً تشهد ساحة القبول تطوراً وتحديثاً وبخاصة في قبول الطالبات بالجامعات، فهل وضع مخططو التطوير ما يمكن أن يحيط بهذه المحاولات من نتائج؟ وهل وضعوا في الحسبان آثارها على الطلاب والطالبات؟ إن هذا ما يتوقعه ويأمله الجميع.
ولكن كيف يمكن تفسير ما نراه من شكاوى الآن وكثرة استفسارات وبروز مشكلات؟ لعل هذا طبيعة أي عمل تطويري وأي محاولات للتجديد والتحديث تكون بداياتها على هذه الصورة، حيث ينظر المخططون بثقة إلى أن إدخال الحاسب الآلي إلى الميدان سيوفر فرصة لتيسير العمل وإجراءاته وذلك توجه محمود ومشكور، ولكن العبرة ليست في الحاسب واستخداماته بل فيما يسبق هذا الاستخدام وما يتبعه من نتائج وما يصاحبه من آليات وقواعد يتم بناء القبول وفقاً لها.
فهل يعقل وبخاصة لدى الطالبات أن يكون اختبار مستوى القدرات في مرحلة تجريبية يتحدد وفقاً لها مصير قبولهن في الجامعات في الوقت الذي ننادي فيه بتكافؤ الفرص في القبول، فلا يخفى أن اختبارات مستوى القدرات والتحصيل ليست متكافئة بين البنين والبنات، حيث يتيح الواقع للبنين أكثر من فرصة يختار من بينها المستوى الأكبر، بينما يقتصر في اختبارات البنات على اختبار واحد ولا مفر من نتائجه، إننا بذلك نقضي على تكافؤ الفرص دون مبرر علمي أو تعليمي بين البنين والبنات.
وإذا ما أضفنا الفروقات الجغرافية التي أسس لها نظام اختبار تحديد المستوى أدركنا ما تحدثه هذه الاختبارات من فجوة بين قاطني المدن وساكني القرى في الوطن الواحد الذي وفر لأبنائه فرصاً متكافئة ومتساوية للتعليم قبل الجامعي صارت مصدر اعتزاز وفخر لنا ونتخوف اليوم من أية خطوة تنال منها مهما كان بريق التطوير والتحديث الذي يحيط بها.
إننا على قناعة تامة أن سياسات القبول بالجامعات تحتاج بين الحين والآخر إلى مراجعات تقويمية تهدف إلى ربط التعليم الجامعي بما تعايشه بلادنا من واقع اقتصادي وتنموي لترتبط جامعاتنا بحاجات الوطن وتساهم في تحقيق طموحاته في التقدم، فهل ما يتم ونشاهده الآن يدخل في هذا الإطار؟ أم هي إجراءات تنظيمية وإدارية فتحت أبواباً خلفية للقبول بالمقابلات الشخصية بعد أن تجتاز الطالبة كافة مقاييس القبول؟
إن ما نخشاه أن تلعب هذه الإجراءات وتلك الآليات دورها غير المحمود في الفصل بين الثانوية العامة والقبول في الجامعة وإن كنا نُطالب ألا تكون درجات الشهادة الثانوية وحدها هي المحدد الوحيد للقبول في الجامعات، ولكن إذا كانت النسبة المخصصة للدرجات التي تحصلها الطالبة في الثانوية العامة قليلة الجدوى في القبول وفي اختيارها للجامعة أو الكلية التي ترغبها فما الحاجة إذن للاهتمام أو الجد والاجتهاد؟
ألا يؤثر ذلك بشكل أو آخر على مستوى تعليمنا ومحتواه وعلى كافة عناصره؟ إن الأمر يحتاج إلى إعادة نظر شاملة قبل فوات الأوان، وهذا قليل من كثير من ذلك الميدان الحافل بالتداخلات، المزدحم بالآراء والذي يحمل في طياته العديد من المشكلات التي يحتاج للمواجهة قبل فوات الأوان.
وبالله التوفيق.
-وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام (سابقاً)