الأحداث التي تمخض عنها الصدام الروسي - الجورجي على أوسيتيا يطرح فكرة وقضية التقييم السياسي والميداني للأزمة قبل الدخول في معمعتها, وعندما نقول التقييم فإننا نشير إلى عدة استشرافات وخيارات وبدائل من المفترض أن ينتهجها صانع القرار ويضعها نصب عينيه؛ لينقذ بلاده من سلبيات الخنق السياسي والعسكري, وبالتالي تقديم تنازلات وتضحيات أكبر مما يتفجر الصراع من أجله.
ما حدث في الأزمة الراهنة يطرح تساؤل مدى تقدير صانع القرار الجورجي لثمن الاشتباك مع قوة عظمى كروسيا, بما تمتلكه من قوات غير تقليدية, وهل كان هناك رهان على قوى عظمى أخرى عول عليها في تفكيك مكونات الأزمة أو تقبل الدعم اللازم منها سواء كان سياسيا أو عسكريا؟
في تاريخنا العربي المعاصر لدينا الكثير من التجارب التي تضاهي الموقف الحالي, ففي عام 1948م هُزمت الجيوش العربية أمام عصابات الهاقانا الصهيونية لعدم استعداد تلك الجيوش للدخول في قتال مع تلك العصابات المسلحة والمدربة جيداً, وفي نكسة 67 هزمت إسرائيل دول المواجهة بضربات استباقية خاطفة قضت على الروح قبل أن تقضي على السلاح، وقبل ذلك كان العدوان الثلاثي على مصر هزيمة عسكرية وأن حاذاها نصر سياسي إلا أنه أثبت أن إسرائيل قوة إقليمية تؤخذ في الحسبان, ويزيد على ذلك أيضاً ما عاناه العراق من مناطحة الدول الكبرى, ما يستسقى من عبرة في هذه العجالة هو أن فتح جبهات القتال مع العدو يتطلب الكثير من الحيطة والاستعداد وقياس موازين القوى سواء كانت عسكرية أو سياسية أو حتى على مستوى الجبهة الداخلية التي هي الدرع الأول والأساس في مقومات خوض الحروب والتطاحن الدولي, وهو الأمر الذي يجب أن تعنى به مراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم العربي ودوائر استشراف المستقبل خصوصاً وأن شهية إسرائيل المنفتحة دائماً لشن الحروب والتحرشات لا تنغلق, إضافة إلى ما يلوح في أفق المنطقة من نزعات استقلالية وطموحات انفصالية تستند إلى أسس مذهبية مسيسة, وصدام دولي وحمى تسابق لاكتساب السلاح النووي.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244