(درهم وقاية خير من قنطار علاج).. مثل حفظناه ووعيناه منذ الطفولة، ولكن وللأسف الشديد لا زالت الكثير من المؤسسات لا تعي ذلك بتاتاً.. وتفضل أن تصرف المليارات على العلاج المادي وعلى القضايا والمشاكل بدلا من أن تصرف الملايين على الوقاية لتوفر الوقت والجهد والمال، ذلك أن الوقاية بالتوعية مصاريف لأمور غير مادية وليست ملموسة، كما هو حال الدراسات والبحوث والاستشارات التي تعاني هي الأخرى من ندرة الميزانيات رغم أهميتها القصوى في ضبط ورفع كفاية المصروف على الماديات الملموسة.
والأمر المؤلم حقاً ما بلغني من أن وحدات إدارية متخصصة في الوقاية والتوعية في كثير من وزاراتنا وأجهزتنا الحكومية تعاني من شح في الميزانيات رغم عظم أهمية الدور المناط بها؛ حيث تذهب تلك الميزانيات إلى الماديات من مبان وسيارات وأدوية وأجهزة ومعدات ورواتب موظفين بما في ذلك البطالة المقنعة، وهو ما يؤدي بالتبعية للمزيد من الصرف على الماديات في غياب الوعي الذي يحد من هذه المصروفات المتفاقمة.
ماذا تفعل هذه الوحدات الإدارية المسؤولة عن التوعية لمعالجة هذه المشكلة؟ أصبحت تذهب للشركات الإعلانية والإعلامية وغيرها لتضع لها خططها التوعوية وتنفذها بما هو متاح من رعايات يقدمها القطاع الخاص لتلك الشركات بعد أن تقوم تلك الإدارات بتوفير خطابات طلب الرعاية من قبل المسؤولين في الوزارات والإدارات؛ بما في ذلك الوزراء الذين أصبحت خطاباتهم تأخذ طريقها إلى سلة المهملات لدى الكثير من الشركات الراعية التي تعاني هي الأخرى من طلبات تفوق الخيال في ظل مطالبة المساهمين لها بتحقيق أرباح مجزية في أسواق تنافسية شرسة.
ما الحل إذن؟ أعتقد أن الحل يتمثل بتوفير ميزانية توعية لكل وزارة أو إدارة يشكل وعي شرائحها المتسهدفة عنصرا هاما في تحقيق أهدافها، وفي ضبط مصروفاتها وتقليصها على ألا تقل تلك الميزانية عن 5% من موازنة الصرف على الماديات الملموسة والتي سيتناقص الصرف عليها تلقائيا حال ارتفاع الوعي العام حيال المشاكل والقضايا، وعندها سيعزز القطاع الخاص تلك الميزانيات من خلال تحمله القيام بمسؤولياته الاجتماعية تجاه الوطن والمواطن، وخلاف ذلك فسيبقى الوعي غائبا وستزداد مصاريف المعالجة المادية بشكل تراكمي حتى تعجز الموازنات عن الوفاء بمتطلباته، كما هو حال الصحة الآن حيث تفشي أمراض السكر والسمنة وتصلب الشرايين والقلب والضغط ومضاعفات كل ذلك، وهو ما استدعى صرف المليارات التي لم تسمن ولم تغن من جوع.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7842 ثم أرسلها إلى الكود 82244
alakil@hotmail.com