لا يمكن الجدال أبداً حول براعة الإيرانيين في السياسة والإعلام كأحد الأساليب الرئيسية للتعبير عن مواقفها المعلنة. لا سيما أن الأحداث والتغيرات السياسية في المنطقة أصبحت تتكون بسرعة مدهشة، وكانت من قبل تطبخ على نار هادئة وفق سياسة النفس الطويلة.
والمتابع لعلاقة إيران مع جيرانها منذ نجاح الثورة الإيرانية قبل قرابة الثلاثة عقود يجدها غير مستقرة، بسبب الرؤية الإيرانية المضطربة تجاه الأنظمة الحاكمة في دول الخليج العربي، وأطماعها التوسعية، وطموحاتها الفارسية غير المشروعة في المنطقة، إضافة إلى إثارة وتأجيج النعرات العرقية والمذهبية، والتي كانت سبباً في مشكلات إقليمية.
وبينما كنا نعقد الأمل في إبداء حسن النية، وحقوق الجوار، واحترام سيادة الدول، والمساهمة في نشر الأمن والاستقرار الإقليمي. إذا بنا نفاجأ بتصريح مساعد وزير خارجية إيران، حول الأنظمة الملكية في دول الخليج العربي، الذي أدلى به قبل أيام عدة من: (أن الأزمة المقبلة التي ستصيب منطقة الخليج بالشلل قريباً تتعلق بشرعية الأنظمة الملكية والتقليدية التي لن يكون في إمكانها البقاء في ظل الأوضاع الراهنة.. وأن الشرق الأوسط سيبقى مركزاً للتطورات والأزمات، طالما ظلت الأنظمة الملكية في الخليج قائمة، وأن النزاعات لن تحل إلا بزوال تلك الأنظمة التقليدية).
هذا التصريح الناري والذي لا يتسبب إلا في زيادة الشحن السياسي في المنطقة، وتهديد الاستقرار فيها، هو نفس التصريح الذي أدلى به الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، حين وجه رسائل تهديد إلى دول الخليج العربي، حين طالبت بعودة الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبي موسى) لدولة الإمارات العربية المتحدة وسيادتها عليها. وفسر باعث دول الخليج العربي على تجديد الادعاءات الواهية لسيادة الإمارات على الجزر الثلاث، بانه الزلزال الذي ضربت الثورة الإسلامية به حكوماتهم القروسطية والمغتصبة. وان هذه الدول كلها (يقصد دول مجلس التعاون الخليجي) نشأت عن تدخل الدول الكبرى المباشر ودعمها. وان حكام هذه الدول يدركون ان الزلزال الذي سببه نموذج الجمهورية الإسلامية الإيرانية سينتج عنه انهيار أنظمتهم غير القانونية.
وبما ان الشيء بالشيء يذكر، فإن التصريحات الإيرانية لاتزال تتردد بين سياسة التهديد وسياسة التهدئة، من مسؤولين وشبه مسؤولين، حول اعتبار البحرين المحافظة الرابعة عشرة، وانها جزء لا يتجزأ من إيران. حينها كتب حسين شر يعتمداري رئيس تحرير صحيفة كيهان الإيرانية، ومستشار مرشد الثورة علي خامنئي في 9-7-2007م مقالا قال فيه: (ومن الدول الأعضاء في مجلس التعاون لمسايرة البحرين الدول الأعضاء الأخرى حساب منفصل، فالبحرين كانت جزءاً من الأرض الإيرانية. وخسرتها إيران جراء صفقة غير قانونية بين الشاه البائد وبين الحكومتين الأمريكية والبريطانية أدت إلى انفصالها عن إيران.. وان المطلب الأساسي للشعب البحريني حالياً هو إعادة هذه المحافظة التي تم فصلها عن إيران إلى الوطن الأم والأصلي، أي إيران الإسلامية).
لا شك ان هذه التصريحات مقصودة، وهي جزء من مخطط إيراني لبث رسالة إلى دول المنطقة عبر هذه القنوات - الرسمية وغير الرسمية - مفادها ان إيران لاتزال تتعامل معنا بمنطق التهديد والهيمنة وتصدير الطائفية والمشكلات إلى خارج حدودها. مما يعيد الحسابات في التعاطي مع المخاطر الإيرانية، والشعور بخيبة أمل كبيرة، واستياء وقلق دول الخليج العربي.
إن على إيران إيقاف هذا اللون من التصريحات العدائية والاستفزازية وانهاءها، والذي لا يخدم سوى أعداء الأمتين العربية والإسلامية، وأن تتمسك بمبدأ إقامة علاقات حسن جوار مع دول الخليج من أجل وحدة الصف وجمع الكلمة. وفي المقابل فإن على دول المنطقة أن تقرأ تلك الرسائل جيدا بهدوء وعقلانية، وان تنظر إلى مصالحها وأمنها، قبل أن تعصف بالمنطقة فتنة لا تبقي ولا تذر.
drsasq@gmail.com