لقد قال أبو الطيب هذه الأبيات في سنة 344هـ، وكأنه يقولها لنا اليوم ونحن في سنة 1429هـ، وهذه الأبيات الثلاثة لخصت الصراع الأزلي والمستمر بين الناس.. هذا الصراع الممتد من زمن هابيل وقابيل مروراً بكل الأزمنة والعصور التي تلت وحتى زمننا وعصرنا الحاضر والذي سيستمر في الأزمنة والعصور القادمة مادام الإنسان موجوداً على سطح الكرة الأرضية بقدرة الخالق عز وجل، والغريب في أمر هذا الصراع أنه متنوع الأهداف والغايات، فهناك صراع مادي، وصراع حضاري، وصراع سيطرة، فالإنسان قد يكون في صراع مع أخيه الإنسان من أجل المادة، وصراع حضارة لتلغي حضارة أخرى، ودول تصارع لاحتلال دول أخرى لتسيطر على ثرواتها..و..و.. وهذه الصراعات لها أنماط متنوعة فكما قال المتنبي: أنفس الأنيس - الناس - سباع (وحوش) يتفارسون ويتصارعون ويتقاتلون فيما بينهم في السر والعلانية، مكاشفة وغيلة، فمن يملك القدرة والقوة والسيطرة من الدول والأفراد والجماعات يأخذ ما يريده من الأضعف بدون سؤال بل بالقوة والغلبة والغصب والقهر، فالإنسان مهما كان هدفه في صراعه مع الآخر يتمنى في قرارة نفسه على أن يحصل على ما يريده وهو كالأسد - الغضنفر الرئبال - في توحشه وافتراسه، ولو تركنا كل أنواع الصراعات بين الناس ونظرنا إلى الصراع الذي يحدث بين الدول في وقتنا الحاضر لرأينا أن الدول القوية اقتصادياً وتكنولوجياً وعسكرياً هي المسيطرة على الدول الضعيفة مهما كان حجم هذه الدولة أو تلك، فالقوى يأمر والضعيف عليه أن يلبى ويطيع وإلا..