القاهرة - مكتب الجزيرة - أحمد عزمي:
(إدوار الخراط - 82 عاماً) روائي وقاص وشاعر، اشتغل بالنقد الأدبي والفن التشكيلي، ويعد واحداً ممن تبنوا مقولات التجديد في الكتابة العربية، حيث تجلى ذلك عبر رواياته ومنها: (رامة والتنين)، (ترابه زعفران)، (حيطان عالية)، (الزمن الآخر)، (ساعات الكبرياء).
ترجمت روايات (الخراط) إلى العديد من اللغات العالمية، وحاز أكثر من جائزة، منها جازة سلطان العويس (1994) وجائزة كفافيس (1998) وجائزة الدولة التقديرية في مصر (2000) وأخيراً جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائى هذا العام (2008).. هنا حوار مع الخراط.
** في الدورة الرابعة لملتقى القاهرة للإبداع الروائي حصلت على الجائزة التي فاز بها عبدالرحمن منيف والطيب صالح ورفضها صنع الله إبراهيم، ألم تتأخر الجائزة؟
- لا أعير التوقيت اهتماماً، المهم أنني حصلت عليها؛ لأنها اعتراف وتقدير من المجتمع الثقافي أكثر منها أي شيء آخر.
** تتميز كتاباتك بالتمرد على استراتيجيات الشكل التقليدى.. إلى أى مدى يتناسب هذا التمرد مع الحكي؟
- أظن أنه مرتبط بأسلوب الحكي ارتباطاً لا ينفصم بحيث لا يكون التمرد نشوزاً أو نتوءاً، بل هو من مقومات السرد عندي.
** الكتابة عن المطلق قيمة ماثلة ومهيمنة باستمرار في أعمالك.. لماذا؟
- اتصور أن المطلق له وجود فعلي وحقيقي، ليس في كتاباتي فقط، ولكن في العالم نفسه، وبالتالي فإن تناوله يعتبر أساسياً في الكتابة، أو حتى في تأمل الحياة نفسها.
** أنت مجدد ومغامر في كتاباتك فهل المغامرة شرط للفن؟
- المغامرة عندي أساسية، ومقوم من مقومات الفن، ولا يوجد عندي فن إلا وهو قائم على المغامرة، لكنها عملية محسوبة، وليست عشوائية، أو ضرباً في المجهول، بمعنى اللا تكون مغامرة، وفي الوقت نفسه هي وعي بمقومات الحياة وإدراة للضرورة، بقدر ما هي تمرد عليها.
** قلت إن الإبداع ليس له حدود؛ فالإبداع هو كسر للحدود، ألا يعد هذا انفلاتاً من أسر التقاليد الاجتماعية السائدة؟
- الخروج على التقاليد الاجتماعية السائدة شرط من شروط الفن، بالتعريض ابتداع وليس اتباعاً، ولكن هذا الخروج لا يعني الانفلات العشوائي، بل هو محكوم بمقتضيات جمالية وأخلاقية بالمعنى الرفيع للأخلاقية؛ أي بما يقتضيه الوفاء للصدق الفني، ولإدراك مقتضيات الوجود في الوقت نفسه، الذي تحدث فيه مغامرة محسوبة بالخروج على هذه المقتضيات.
** هل تسعى إلى بناء قارئ خاص عبر تلك الاستراتيجية النصية؟
- أتصور أن كل عمل فني، هو في الوقت نفسه بنية، لها مقومات الهيكل، أي البناء المحكوم بقواعد، وإن كانت هذه القواعد من ابتداع الحكي بالضرورة، وليست مجرد استنساخ، لما سبق أن عرف، وتم تجريبه، فهو إذن تمرد، لكنه محسوب أو ليس عشوائياً.
** في رواياتك يزحف التخيل؛ ليكمل سرد الواقع، بما يمكن له أن يكمله، واستمرار السرد خديعة للقارئ، بعد أن توهمه بالخروج من التخيل إلى الواقع، لكنك تسقطه في متاهة أوسع، عندما ينتهي من النص يفطن إلى الخديعة التي حملته إليها.
- الفنان لا يُسأل: كيف صنع فنه، بل إن ذلك يتضح من خلال بنية النص وفحواه ومغزاه العميق، السؤال إذن يبقى دائماً بلا إجابة، إلا باستقراء النص ومحاولة تقصي جوانبه كافة، وتكُّشف ما قد يكون فيه من غوامض.
** أعمالك الروائية تصرخ: أنا المؤلف في حالة روائية.. كيف ترى هذه المقولة؟
- لا أعتقد أن الصراخ هنا مفيد، وأظن أن المسألة تتجاوز شخصية المؤلف إلى ما أسميه منطق ما بين الذاتيات، أي أنني أسعى إلى أن تكون كتاباتي في تلك المنطقة التي أشترك فيها أنا والقارئ معاً، أيا كان هذا القارئ، من هنا ليس هناك صراخ!
** هل تعتقد أنه ستكون هناك في المستقبل محاولات تأويلية لمقاربة نصوصك؟
- لم أفكر في هذا، ولكن أرجو دائماً أن تكون كتاباتي قابلة لأكثر من تأويل، وتتحمل أكثر من مغامرة في هذا السبيل.
** وما مرجعياتك في كتابة نصوصك الروائية والقصصية؟
- هذا سؤال يحتاج في إجابته إلى مجلدات، وباختصار أظن أن المرجعية هي الحياة، بما تتضمن من خبرات وقراءات وتأملات، وما تحتمل من تأويلات متعددة، شديدة التنوع، ويمكن الإجابة عن هذا السؤال من خلال الأعمال الفنية نفسها، فلا توجد نظرية محددة في هذا المجال، وأتصور أن الإجابة تكمن في تضاعيف العمل الفني نفسه.
** البعض يرى أن لديك إسرافاً في الوصف، وهذا يضعف العمل الأدبي.. كيف ترى ذلك؟
- أختلف تماماً مع هذه المقولة، وأرجو ألا يكون ثمة إسراف في عملي الفني؛ لأن ذلك بمجرد التعريف إخلال واختلال، ولعل تلقي النقاد لعمل ما جاء مشوباً بآراء مسبقة، أظن أن فيها قدراً من السطحية.
** بالرغم من ترديد مقولة إننا نعيش في زمن الرواية، إلا أنك لجأت إلى الفن التشكيلي والشعر... لماذا؟
- أتصور أن العمل الروائي والتشكيلي يتضافران ويتواشجان ويؤكد أحدهما الآخر، إن لم نقل يثري أحدهما الآخر، والشعر طوال الوقت مبثوث في ثنايا أعمال الرواية، هذا بخلاف الكتب التي نشرتها مقصورة على فن الشعر وحده.
** لكن الرواية تستوعب مثل هذه الأجناس؟
- هذا صحيح، لكنها لا ترفض أن تتمثل منجزات أى نوع أدبي مغاير، أو نوع فني آخر، الرواية بطبيعتها مطواعة وقابلة لاستيعاب منجزات الفنون الأخرى بكل سلاسة ومرونة.
** كيف تتحقق شعرية النص الروائي؟
- أظن أن هذه الشعرية ليست مجرد تعلق أو تشبث بمفردات أو ألفاظ، بل هي منصهرة تماماً مع رؤية يمكن أن نسميها رؤية شعرية، أي تتحدى المنطق المألوف الساري في الأسواق الثقافية، وتحلق في آفاق غير مألوفة.
** ذكرت في كتابك (أنشودة للثقافة) أن هناك طلاقاً بائناً بين الفكر والفن.. كيف؟
- كانت هذه مقولة أطلقها بعض النقاد المزيفين، لكننى أؤمن بأن الفكر والفن تؤامان.
** كيف ترى علاقة الروائي بالأحداث السياسية التي تمر بها الأمة العربية؟
- هي بالضرورة علاقة حميمة وأساسية، فلا يمكن أن يكون الروائي صادقاً مع نفسه ومع فنه، إذا انفصل أو انعزل عن الأحداث، التي يمر بها المجتمع حوله، فهي علاقة أساسية في حياة المبدع عموماً.
** أنت عاشق للموسيقى الكلاسيكية، ما العلاقة بين الموسيقى والإبداع؟
- بغض النظر عن أنني أعشق الاستماع إلى الموسيقى وغيرها، فإن الأعمال الموسيقية بها نوع من البنية والتناسق، وهي من مقومات كل عمل فني فضلاً عن مجرد الإمتاع الخالص بإبداعاتها.
** رغم أننا نتقاسم مع كتاب العالم المساحة الجغرافية ذاتها، ونقرأ ما يقرأونه، ونتابع ما يتابعونه، إلا أننا متخلفون عنهم في الإنتاج والفاعلية... لماذا؟
- أظن أن هذه المقولة بها شيء من التعميم والإسراف على النفس، وبدون ادعاءات ضخمة لا أظن أننا على هذا القدر من التخلف، سواء في الإبداع أو الفاعلية، وأتصور أننا نشارك معاً في هذا الخضم المتلاطم حيناً، والساجي حيناً آخر، من الإبداعات الفنية، مشاركة الند للند، وإن كان لا يزال أمامنا شوط كبير، لكي نحقق ما ننشده في هذا السبيل.
** هل الإنتاج الغزير شرط لتحقق المبدع؟
- قد يكون الكم الغزير دليلاً على الخصوبة والوفرة والثراء أو دليلاً على الترهل والثرثرة؛ فالمهم هو قيمة الإبداع وليس الكم، وكما يقال فإن الكيف هو العامل الحاسم.
** لمن يكتب إدوار الخراط؟
- لكل الناس.
** كيف تنظر إلى دور الكتابة، خصوصاً أن هناك من يرى أنها أصبحت غير ذات تأثير؟
- هذا الكلام لا معنى له؛ فالكتابة شأنها شأن الإبداعات الفنية الأخرى ماثلة، ولها فاعليتها الدائمة.
** ما سر اهتمامك بكتابات الأدباء الشباب؟
- ليس هناك سر؛ فأنا أهتم فقط بالكتابات الجيدة، سواء كانت من إنتاج الشباب أم المخضرمين.
** ماذا تقول عن إدوار الخراط في جملة واحدة؟
- مغامر بلا نهاية.