عبد الكريم محمود الخطيب) علم مميز في مشروعنا الثقافي والكتابي فهو من جيل الرواد، فأي إنسان له ذاكرة منصفة وحية يذكر هذا الرجل العلم الذي قدم للمجتمع العديد من البرامج الإذاعية، والمقالات المميزة، القصص الهادفة، والروايات الشيقة.
(دخان المصانع) برنامج إذاعي شهير قبل نحو ثلاثة عقود كان علامة مميزة في تحديث مشروعنا الثقافي والاجتماعي، فقد ظل الأديب (الخطيب) في برنامجه شعلة من العطاء، وكأننا نرى دخان المصانع بالفعل كناية عن التطور الذي تسير إليه البلاد، أما اليوم فإن الدخان فوق المصانع بات كأنه أشد خطراً من عوادم السيارات، والأراجيل، والسجائر، فلم يعد مرغوباً فيه، فبات يوصم بالفساد ومحاربة البيئة وتلوث الطبيعة واتساع خرم الأوزون الذي يدعي بعضهم من المتعالين في شؤون العالم أنهم يقايسونه يومياً، ويتهمون من لا يريدون بأنه سبب رئيس في ثقب هذا الأوزون، وخراب البيئة، وأي تهمة من التهم المدوزنة بعد الإرهاب بالطبع.
الرائد عبدالكريم محمود الخطيب قبل نحو عامين أطل على القارئ بإضمامة جديدة من المؤلفات المتعلقة بالبيئة على نحو قصص ومقالات وكتابات أراد فيها تقديم عصارة فكره للقارئ إلا أن هذه الأعمال كعادة أعمال الكبار في هذه الأيام عبرت بلا ضجيج إلى رفوف المكتبة، ولم يحتف بالخطيب القامة والعلم لأن الزمن الآن - للأسف - لم يعد للجادين والأساتذة.
فالأديب الخطيب مثال وحالة من بين حالة كثيرة تتوارى عن أنظار الناس، ولا يحفظ لهم الحق في السؤال أو المشاركة أو التذكير بهم، رغم بعض المحاولات التي تقوم فيها بعض الجهات التي تكرم جيل الرواد من الراحلين إلى رحمة الله، وقلة من الباقين، إلا أن هذه المحاولات تأتي اتنقائية ومحدودة لأشخاص معينين، في وقت يجب أن يكون هذا المشروع شاملاً للجميع دون استثناء.
فليت إحدى المؤسسات الرائدة تعكف على مشروع وطني يتم من خلاله أرشفة جهودهم وأعمالهم، ومن ثم تقديم معلومات ومذكرات ومواد صحفية وفنية عن جميع هذه الأسماء التي خدمت المشروع الثقافي والإعلامي لدينا على مدى عقود ولاسيما أن هؤلاء من جيل واجه المصاعب والمتاعب في تلك الفترة لأنها - كما يعلم الجميع - كانت مرحلة تأسيس بكل ما تعني الكلمة، أما اليوم فإن من يتواجد على الساحة الثقافية لم يكن لديه من المعاناة مثلما كان لدى عبدالكريم الخطيب أو عبدالكريم الجهيمان أو عبدالعزيز الخويطر أو عبدالله بن خميس، مع حفظ الألقاب لهؤلاء الرجال الأفذاذ بحق.
ما نريد قوله: إننا بحاجة إلى مركز نطلق عليه مجازاً (مركز الرواد) فطالما أننا لا نمتلك رواد فضاء فمن باب أولى أن يكون هذا المركز مشتملاً على هؤلاء الأساتذة الذين خدموا مسيرة الثقافة والإعلام لدينا، وما نوده منه ألا يأخذ بالوصاية، أو بالإقليمية أو النظرة الضيقة للأمور، فتوفر المادة العلمية من بحث وغيرة، والمعلومة من سير وأخبار عن هؤلاء الذين لا نعلم عنهم شيئاً، وإن أردنا الوصول إليهم أعيتنا السبل فإباء بعضهم الرائع، ومكانتهم المميزة التي تركوها بيننا تأبى عليهم أن يعودوا، ولنذكِّر أيضا برؤساء الأندية السابقين الذين توارى جلهم عن الأنظار، ففيهم المفكر والشاعر والأديب والكاتب، فلماذا لا نمد جسور التواصل معهم؟ خدمة للكلمة وليس لأي أمر خلافي آخر حسم بأي شكل من الأشكال.
hrbda2000@hotmail.com