أشير في الحلقة السابقة إلى أن اليوم الأخير من أيام المؤتمر الدولي عن (الإرهاب في العصر الرقمي)، الذي أقامته جامعة الحسين بن طلال - ومقرها في معان - كان في عمان، وأشرت في تلك الحلقة إلى شيء ما قلته في مناقشات ذلك اليوم، كما أشرت إلى |
بعض ما بيَّنته في حديثي مع أمريكيتين حضرتا المؤتمر عن القضية الفلسطينية والموقف المنحاز جداً، الذي اتخذته الإدارات الأمريكية المتعاقبة، إلى الكيان الصهيوني العنصري، ابتداء من الرئيس ولسون وانتهاء بالرئيس بوش الحالي، وذكرت ما أوضحته لهما مما كانتا تجهلانه عن وضع المرأة السعودية من حيث التملك والإرث والمكانة الاجتماعية. |
وكان من حسن حظي أن علمت بأن فرع رابطة الأدب الإسلامي في عمان سيقيم حفلاً تكريماً للشاعرة نبيلة الخطيب بمناسبة حصولها على جائزة البابطين للإبداع الشعري، وذلك لأحسن قصيدة، وقد تكرَّمت، فأتت إليَّ برفقة زوجها في الفندق الذي كنت أنزل فيه، وذهبت معهما إلى مكان الحفل، ومعنا الصديق العزيز فهد الرشيدي، الذي تمَّ قبوله ذلك اليوم لمواصلة دراسته العليا للحصول على درجة الدكتوراه، وفي الحفل ألقى عدد من الإخوة والأخوات كلمات تهنئة للشاعرة، كما ألقت هي عدة قصائد بينها القصيدة الفائزة بالجائزة بطبيعة الحال. |
ولقد أتيحت لي الفرصة أن أتكلَّم في الحفل التكريمي، فانتهزت تلك الفرصة، وعبرت عن تهنئتي القلبية للشاعرة الكريمة، كما عبَّرت عن شكري الجزيل لمؤسسة البابطين، التي من وجوه نشاطها الاحتفاء بالإبداع الشعري، وتكريم المبدعين من الشعراء والمبدعات من الشاعرات، ونشر ما ترى جدارة نشره من إبداع لتعمَّ فائدته، واستحسنت في ذلك الموقف أن ألقي شيئاً من آخر ما كتبته من قصائد. وكانت معي قصيدة عنوانها (صدى العيد). |
وقد سبق أن نشرتها في هذه الصحيفة الغراء - الجزيرة - ومطلعها مقتبس من مطلع قصيدة للشاعر العظيم أبي الطيب المتنبي: |
(عيد بأية حال عدت يا عيد؟ |
بما مضى أم لأمر فيك تجديد؟) |
وكنت في تلك القصيدة قد أشرت إلى شيء من روائع المتنبي ومواقفه، التي كان في طليعتها الاعتداد بالنفس، والتسامي في الطموح وعلوِّ الهمة، إلى أن دخلت إلى الهدف من كتابة القصيدة قائلا: |
ماذا تراه لو أن العمر مدَّ به |
وحاضر العُرْب بالإذلال عربيد؟ |
ماذا يقول؟ أيجلو صوت مذوده |
وجه الحقيقة؟ هل تحلو الأناشيد؟ |
كل المواطن مصر أمر حاكمها |
يمليه أعوان صهيون المناكيد |
غدت فلسطين أشلاء ممزَّقة |
وحلَّ في أهلها فتكٌ وتشريد |
والقدس غيَّر محتلٌّ هويتها |
وانتابها من يد الأوباش تهويد |
والسادرون من الحكام ديدنهم |
في كل نازلة شجبٌ وتنديد |
باعوا المواطن كي تبقى مناصبهم |
يحيطها من رضا الأسياد تأييد |
|
والمشفقون على دار السلام علت |
وجوههم من مآسيها تجاعيد |
جحافل الموت قد حلَّت بساحتها |
وضيم في لابتيها أهلها الصيد |
وملتقى الرافدين المستطاب غدا |
فيه لأقدام محتليه توطيد |
أين المفر؟ وهل في الأفق من أمل |
يُرجى؟ وهل يعقب التمزيق توحيد؟ |
مستقبل ليس يدري كهنه فطنٌ |
في رأيه عند طرح الرأي تسديد |
والعيد عاد ودامي الجرح يسأله |
(عيد بأية حالٍ عدت يا عيد؟) |
وكان مما قدَّره الله أن كانت قناة الرافدين العراقية موجودة تسجل الحفل فأجرى مندوبها معي لقاء عبَّرت فيه عن ألمي - كما هو ألم المخلصين من أمتنا - لما حدث للعراق.. القطر العربي الإسلامي.. ولأهله من ويلات ونكبات نتيجة عدوان قادة أمريكا المتصهينين والمتعاونين معهم من أعداء أمتنا، واحتلالهم له، وارتكابهم أبشع الجرائم ضد الشعب العراقي، تقتيلاً وتعذيباً وإذلالاً وتدميراً ونهباً للتراث وللثروات، وكل الجرائم المرتكبة شهدها العالم، شرقاً وغرباً، واعترف بارتكابها أناس أمريكيون وما زالوا يعترفون به. |
وما ذكرته في أحد أبيات القصيدة المذكورة سابقاً من كون حاضر أمتنا عربيداً بالإذلال أمر لا يخفى، وقد أشرت إلى ذلك في عدة مقالات، منها مقالة عنوانها: (الإذلال والتذلُّل)، نشرت في هذه الصحيفة عام 1422هـ. وكان مما ورد فيها أن أحد الجنرالات الفرنسيين قد نشر كتاباً اعترف فيه - بل وافتخر - أنه شخصياً عذَّب وقتل أربعة وعشرين جزائرياً خلال جهاد الشعب الجزائري لنيل استقلاله، وكان أن حوكم فصدر الحكم عليه بدفع نحو ستة آلاف دولار، وهذا يعني أن ثمن الجزائري من أولئك الذين عذبوا وقتلوا مئتين وخمسين دولاراً فقط، وذلك يبرهن على النظرة التي تنظر بها الجهات الفرنسية الرسمية إلى الشعب الجزائري، ومع هذا فما زال يوجد من يتشبَّثون بالشبعية الحضارية لدولة أصدرت محكمة من محاكمها ذلك الحكم المهين. |
ومما يوضِّح مدى ما وصلت إليه بعض زعامات أمتنا من ذل تجاه أعدائها رغم استئسادها على مواطنيها ما ذكره الكاتب محمود المبارك في صحيفة الحياة (4-8- 2008م) عن قتل مجرمي الحرب من جنرالات الجيش الصهيوني لقرابة 900 أسير مصري في حرب 1967م - حسب شهادة المؤرخ الإسرائيلي ارييه إسحاقي - وأن رد الفعل المصري الرسمي لم يبلغ درجة الشجب والاستنكار، ناهيك عن اتخاذ خطوات لمحاكمة أولئك المجرمين، وما ذكره الأستاذ المبارك، هنا، يعيد إلى الذاكرة حادثة ذلك الصهيوني الذي فعل الفاحشة بأكثر من عشرين صبياً في مصر أصيب بعضهم بالإيدز نتيجة لذلك، فما كان من السلطات إلا أن اكتفت بإعادته إلى فلسطين المحتلة. |
وإذا رأى المرء ما حدث سابقاً وما يحدث الآن فله أن يسأل: هل تغيَّر شيء في واقع أمتنا المهين؟ ألم تستمرئ الأكثرية منا الذل والإذلال؟ |
لله الأمر من قبل ومن بعد، وإليه المصير. |
|