Al Jazirah NewsPaper Saturday  09/08/2008 G Issue 13099
السبت 08 شعبان 1429   العدد  13099
أثر ارتباط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي
د. أحمد بن صالح العثيم

لقد كثر الجدل مؤخرا عن قضية انخفاض سعر الدولار في مقابل العملات الأخرى وأثر ذلك على الاقتصاد العالمي وبشكل خاص على اقتصاديات دول الخليج العربي، وتم طرح العديد من التساؤلات حول هذا الموضوع الذي أحدث ضجة على الصعيد العالمي والعربي، ومن أهم هذه التساؤلات، هل الدولار نظام نقدي عالمي أم هو مجرد عملة؟ لماذا تم الربط بالدولار؟ هل تماسك الدولار اقتصادي أم سياسي؟ ما تأثير انخفاض الدولار في الآونة الأخيرة على اقتصاديات دول الخليج العربي؟ وما هي الحلول المثلى لمحاولة تجنب الآثار السلبية لهذه الظاهرة على اقتصاديات دول الخليج العربي؟... وغيرها من التساؤلات التي شغلت الرأي العام والتي سوف يتم مناقشتها بشكل من الحيادية في هذا المقال.

خرجت دول العالم من الحرب العالمية الثانية إما مدمرة، أو غير قادرة على العودة إلى نظام الذهب، وقد كانت تجارب دول العالم في أثناء فترة ما بين الحربين سيئة للغاية، حيث فكرت الدول في العودة إلى نظام الذهب، وقد كانت الدولة الوحيدة التي خرجت من الحرب هي الولايات المتحدة التي كانت في ذلك الوقت أقوى اقتصاد لديه كميات كافية من الذهب كاحتياطي لدعم العملة الوطنية، ومن ثم أصبح الربط بالدولار هو نظام نقدي عالمي في إطار ما عرف بنظام الصرف بالذهب وفقا لاتفاقية بريتون وودز، وقد تم ذلك منذ عام 1947م حتى عام 1973م، ومن ثم فقد أصبح الدولار هو الأوفر حظا كأحد نظم الصرف المتاحة لتحديد قيمة أي عملة محلية بالنسبة للعملات الأخرى غير الدولار وذلك من خلال الدولار، وسيستمر كذلك إلى أن تظهر عملة دولة على نفس المستوى من القوة، يمكن أن تطمئن إليها الدول كمكون أساسي من مكونات الاحتياطي النقدي للبنوك المركزية، وكعملة ربط دولية.

مما لا شك فيه أن معدل صرف العملة هو أهم الأسعار في أي دولة على الإطلاق، إذ على أساسه تتحدد قدرة الدولة على التصدير، ومن ثم مستويات تنافسية الدولة بالنسبة للعالم الخارجي، وفاتورة وارداتها من الخارج، ميزانية المستهلك والتضخم المستورد.. وكل عملة تمر بفترات ارتفاع وانخفاض في قيمتها يعتمد ذلك على عوامل متعددة أهمها مستوى معدلات الفائدة على العملة، والتوقعات المتعلقة باتجاه معدلات صرف العملة في المستقبل.

من ناحية أخرى فإن العوامل السياسية تلعب أيضا دورا في هذا المجال، ولأن الدولار عملة دولية تمثل مركز النظام النقدي العالمي، لذلك يؤثر على معدل صرف الدولار عوامل كثيرة، بالإضافة إلى العوامل السابقة، مثل تطورات أوضاع العملات العالمية الأخرى بالنسبة للدولار مثل الين الياباني، اليورو الأوروبي، الجنيه الإسترليني.. إلخ. من ثم يمكن القول بأن المحدد الأساسي لتماسك الدولار، مثل أي عملة أخرى هو محدد اقتصادي، يرتبط بأوضاع ميزان المدفوعات وتطورات السياسة النقدية والتوقعات الخاصة باتجاهات معدل الصرف، بصفة خاصة بالنسبة للعملات الرئيسية الأخرى، فعندما يزيد العجز في الميزان التجاري تزيد الضغوط على الدولار، ومن ثم هبوط معدلات صرفه عالميا، ويمثل هذا الأمر مشكلة بالنسبة للدول التي تربط عملاتها بالدولار، وكذلك بالنسبة للدول التي تصدر سلعا مقومة دوليا بالدولار مثل النفط، وخاصة بعد إقرار الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الإمارات (خالد علوش) بأن الدولار الأمريكي فقد 35% من قيمته خلال 5 سنوات، وإذا واصل تدهوره ستكون دول الخليج مدفوعة لإعادة النظر في ربط عملتها بالدولار.

ترتب على هبوط قيمة الدولار، انخفاض قيمة العملات المرتبطة بالدولار مثل العملات الخليجية، بالنسبة للعملات الأخرى، أي أن قيمة هذه العملات بالنسبة للدولار تظل ثابتة، ولكن نظرا لربطها بالدولار، تنخفض تلك العملات في مقابل العملات الأخرى، وتنشأ المشكلة هنا إذا كانت واردات الدولة تأتي من خارج الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يترتب على هبوط الدولار ارتفاع أسعار الواردات من خارج الولايات المتحدة الأمريكية نظرا لارتفاع قيمة هذه العملات بالنسبة للدولار، وتنعكس أسعارها على ارتفاع أسعار السلع المحلية، ومن ثم تؤثر أيضا في ارتفاع الأسعار بشكل عام. إذن من الواضح أن أثر التضخم المستورد على المستهلك يعتمد على درجة انكشاف أو انفتاح الدولة على العالم الخارجي، مثل دول الخليج حيث إن اقتصادها مرتبط بالاقتصاديات الغربية، خصوصا الأمريكية والأوروبية.

فلقد أثبتت تقديرات أولية لمجلس التعاون الخليجي بأن الصادرات الخليجية قدرت بنحو 540 مليار دولار عام 2007م، والواردات الخليجية بنحو 350 مليار دولار، في حين الصادرات النفطية الخليجية فقط بنحو 381 مليار دولار، وعلى افتراض أن انخفاض قيمة الدولار الأمريكي بنحو 10% عام 2007م أمام العملات الرئيسية، وعلى افتراض أيضا أن ثلثي الصادرات والواردات الخليجية تتم مع غير الولايات المتحدة الأمريكية، وتشير هذه الأرقام إلى أن الدول الخليجية تكبدت نحو 37 مليار دولار خسائر على هيئة انخفاض قيمة صادراتها الفعلية و23 مليار دولار على هيئة ارتفاع قيمة وارداتها الفعلية أي 60 مليار دولار عام 2007م من جراء ارتباط قيمة عملاتها الدولار الأمريكي.

بالتركيز على أهم المنتجات في دول الخليج العربي وهي النفط والذهب وبتناول تأثير انخفاض الدولار على أسعار كل منهما نجد أن:

أولاً بالنسبة لتأثير الدولار على الذهب يرتبط سعر الذهب عكسيا بحالة الدولار من ناحية القوة والضعف، باعتبار أن الدولار هو العملة الاحتياطية الأولى في العالم فيؤدي انخفاض الدولار إلى تحقيق فوائد للذهب حيث إن سعر الذهب سيزيد عند انخفاض سعر الدولار لأن تسعيرة الذهب تتم بالدولار. بالإضافة إلى ذلك فإن هبوط قيمة الدولار تؤدي إلى انخفاض معدل الاستثمارات الأجنبية في الأسهم والسندات الأمريكية، مما يؤثر سلبا على الأسواق المالية ويعزز بصورة غير مباشرة من الطلب على الذهب للأغراض الاستثمارية.

ثانياً بالنسبة للعلاقة بين الدولار وأسعار النفط فهي علاقة شائكة للغاية. ففي الوقت الذي يؤدي فيه انخفاض الدولار إلى رفع أسعار النفط، يسهم ارتفاع أسعار النفط في خفض الدولار حيث يباع النفط ويشترى بالدولار، فعندما تقوم دول نفطية بتصدير النفط، تتسلم عائداتها بالدولار. لكنها عندما تستورد سلعا وخدمات، تستوردها من دول مختلفة (بما في ذلك الولايات المتحدة) الأمر الذي يضطرها في كثير من الأحيان إلى تحويل جزء من الدولارات التي حصلت عليها من بيع النفط إلى عملات أخرى ومع انخفاض الدولار ترتفع قيمة العملات الأخرى. هذا يعني أن الدول النفطية تحتاج إلى دولارات أكثر لشراء الكمية نفسها من السلع والخدمات من أوروبا وآسيا. في الوقت نفسه يؤدي انخفاض الدولار إلى زيادة الطلب على النفط حيث يشجع هذا الانخفاض على زيادة نمو الطلب على النفط. هذا أحد التفسيرات لاستمرار الطلب على النفط في النمو في الوقت الذي استمرت فيه أسعار النفط في الارتفاع. إذن الخلاصة أن هناك علاقة عكسية بين قيمة الدولار وأسعار النفط ولا يمكن فصل هذه العلاقة، فعلى المدى القصير، يسهم انخفاض الدولار في تشجيع المضاربين على دخول أسواق النفط، والذي يسهم بدوره في زيادة أسعار النفط وزيادة ذبذبتها. على المدى الطويل، يسهم انخفاض الدولار في تخفيض نمو الإنتاج بينما يسهم في زيادة النمو في الطلب على النفط، الأمر الذي ينتج عنه ارتفاع أسعار النفط. هذا الارتفاع لا يعني بالضرورة أن يكون نافعا للدول المنتجة لأن العبرة بما يمكن أن تشتريه عوائد النفط، وليس بسعر البرميل.

ونتيجة لكل ذلك تم طرح العديد من البدائل لفك ارتباط العملات الخليجية بالدولار، لأن هذا الارتباط أصبح يشكل عبئا ثقيلا على عاتق اقتصادها ويبطئ عملية التنمية وسبب رئيسي في التضخم الجامح الذي تعاني منه المنطقة، ومن أهم تلك البدائل:

البديل الأول: الارتباط بسلة عملات، حيث أوصى صندوق النقد الدولي (IMF) بأن تكون معدلات صرف عملات الدول الخليجية في البداية ترتكز على الدولار واليورو في البداية، ثم النظر في إضافة عملات أخرى فيما بعد.

البديل الثاني: هو البحث عن عملة أخرى تضاهي قوة الدولار الأمريكي مثل اليورو، ولكن المشكلة الأساسية هي أنه يعاني من نفس نقطة الضعف، أي عندما يميل اليورو نحو الانخفاض بالنسبة للدولار أو العملات الأخرى، ستواجه تلك الدول نفس المشكلة.

البديل الثالث: ربط عملاتها بوحدات حقوق السحب الخاصة (عملة صندوق النقد الدولي)، ولكن المشكلة أن هذا الربط سيكون حسابيا فقط، ذلك أن وحدات حقوق السحب الخاصة عملة رسمية فقط. ومن ثم يصعب استخدامها للتدخل في سوق الصرف الأجنبي، ولكن بالرغم من ذلك فإن هذا الخيار سيجنبها اتباع سياسات مالية ونقدية قد تكون غير مناسبة لها، وتخفف من التضخم الناتج عن انخفاض أسعار عملاتها نتيجة انخفاض قيمة الدولار.

البديل الأخير هو العملة الموحدة وهذا ما تناقشه دول الخليج الآن، ولكن حتى هذا الخيار يحتاج للاعتماد على الدولار ولو حتى في مراحله الأولى.

وبعد طرح هذه الخيارات، انقسم الخبراء والمحللون إلى فريقين ما بين مؤيد لفكرة فك الارتباط وبين معارض لهذه الفكرة، إذ يرى الفريق المعارض أن فك ارتباط العملات الخليجية بالدولار لن يخدم الأهداف الكلية للاقتصادات الخليجية ومعالجة معدلات التضخم المرتفعة فيها على المدى القريب.

ويرى الفريق المؤيد لفك الارتباط أن ذلك من شأنه أن يقوي العملات المحلية ويساعد على استيراد مزيد من الواردات ومعالجة معدلات التضخم المرتفعة حيث إن ارتباط العملات الخليجية بالدولار محفوف بالمخاطر بسبب عدم استقرار العملة الأمريكية كما أن ربط العملات الخليجية بسلة عملات يحقق الاستقرار والمرونة ويطور أسواق المال ويمهد لإيجاد علاقات متبادلة بين الدول الخليجية مستندة على أسس متينة.

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن أفضل طريقة لتفادي أثر انخفاض الدولار على الاقتصاديات الخليجية، هو تنويع مصادر الدخل من جهة، وتنويع مصادر الواردات من جهة أخرى، وإحلال الواردات من الدول التي تتعامل بالدولار محل الواردات من الدول الأخرى. حيث إن هناك إجماعا حول تأثير الأزمة الحالية التي يشهدها تدهور سعر صرف الدولار أمام العملات العالمية. من ثم فإنه يمكن القول إن قرار فك ربط العملات الخليجية بالدولار ليس بالقرار السهل بل يحتاج إلى دراسة متعمقة لكي لا تظهر تأثيرات سلبية في اقتصاد المنطقة، كم أنه يجب التأكيد على أن هذا القرار هو قرار إستراتيجي له ارتباطات سياسية متشعبة وغير مقتصرة على الجوانب الاقتصادية فقط.

في النهاية اتخاذ القرار متروك للقيادات المسؤولة، مع التركيز على جانب في غاية الأهمية وهو أن فكرة فك الارتباط بين دول الخليج والدولار الأمريكي لا يعني إطلاقا انتهاء الصداقة والعلاقات والتعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج، فهذه العلاقات مفيدة لكل الأطراف لتحقيق التنمية والتقدم الاقتصادي.



Asa5533@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد