Al Jazirah NewsPaper Saturday  09/08/2008 G Issue 13099
السبت 08 شعبان 1429   العدد  13099
الإسلام والسلطة
عبد العزيز السماري

كانت ردود بعض القراء غير راضية تماماً عن مقالة الأسبوع الماضي، (وماذا بعد أفول السلطة الدينية؟)، برغم من أن الموضوع تناول أفول سلطة دينية، وليس الدين الإسلامي الخالد؛ فالدين لا يمكن أن يأفل.. والتاريخ علمنا أن الإسلام انتشر أكثر .

في العصور التي لم تحكمها سلطة سياسية أو دينية تقليدية؛ فالدرزي شكيب أرسلان كان عالماً مسلماً لا يُشق له غبار في مهام الدفاع عن الإسلام والعروبة، وكان له مراسلات مع الشيخ عبدالرحمن السعدي، ودفاع عن حركة التصحيح للشيخ محمد بن عبدالوهاب، وعن جهودها في تنقية التوحيد من الشرك والخزعبلات. كتب أرسلان أكثر من خمسين كتاباً يدافع فيه عن الإسلام والعروبة بأكثر من لغة عالمية.. كان توهجه في مرحلة وهن وهزال سياسي عربي وإسلامي غير مسبوق، وفي ظل غياب تام لخطاب سلطوي يحتكر الإسلام.... دخل أيضاً الماروني أحمد فارس الشدياق الإسلام، وكان ولا يزال يعتبر من رواد النهضة العربية في القرن التاسع عشر؛ فقد انتصر لهذا الدين، وألف أعمالاً جبارة في خدمة لغة الضاد، وما بدأه يعتبر اللبنة الأولى في طريق إحياء اللغة العربية التي كادت تندثر بسبب سياسة التتريك للسلطة التقليدية في الدولة العثمانية في زمنها المريض.. أيضاً في ذلك الزمن الخالي من تأثيرات السلطة، اعتنق اليهودي (Leopold (Weiss) الإسلام، واتخذ اسماً عربياً هو محمد أسد، وعاش جزءاً كبيراً من بقية حياته في جزيرة العرب، وفي خدمة قضايا المسلمين في الشرق.

هذا يدل على أن تأثير القوة الناعمة للإسلام أقوى من خطاب الكراهية السلطوي؛ فهذا الدين يحمل قوة جذب غير عادية للناس أجمعين، وهؤلاء العقول المبدعة جذبتهم قوة الإسلام الخفية إليه، ولم يحتاجوا إلى مغريات مادية لاعتناقه، ولا تأليف لقلوبهم؛ ليعلنوا إسلامهم في مهرجان احتفالي.. لكن ما جمعهم هو أن زمنهم خلا من دعوات الكراهية ومشاعر البغضاء لغير المسلمين، والذي ازدادت نبرته وحدته كثيراً في العقود الأخيرة.. قوة الإسلام الجاذبة لم تتوقف عن الانتشار في جنوب شرق آسيا، وفي أدغال إفريقيا على الرغم من جهود حركات التبشير المضادة..

ولن تتوقف هذه الجاذبية مهما خططت القوة المضادة.. تكمن قوة هذا الدين في مبادئه الراشدة في زمن الرسول، عليه الصلاة والسلام؛ فدعوة الإسلام الفطري خلت من السب والشتم أو القدح في عقائد الشعوب المجاورة؛ فقال الفرس ولم يذكر المجوس في دعوتهم للإسلام، وخاطب دولة الروم وخاض الحروب ضدهم، ولم يخاطبهم بالصليبيين.

الإسلام يصبح أكثر تأثيراً عندما يكون نقياً من سلطة مصالح البشر، والسلطة هي العلاقة التي يسعى من خلالها كل فرد أو مؤسسة إلى تسخير الأفراد والمؤسسات الأخرى للعمل طبقاً لإرادتهم أو سيطرتهم، وقيل كذلك إن السلطة هي الفرصة المتاحة أمام الفرد أو الجماعة لتنفيذ مطالبهم في مجتمع ما في مواجهة من يقفون حائلاً أمام تحقيقها، وإذا استخدم الإسلام كسلطة يفقد رسالته النقية، ويصبح وسيلة للبشر، إما للسيطرة على مصالح الناس أو لمعارضة هذه السلطة.. أفول السلطة التقليدية الحالية له علاقة بصعود قوي أو سلطات اجتماعية أخرى مثل تيارات الاقتصاد والثروة والفكر وحرية الرأي من جانب، وأيضاً بسبب انشقاق السلطة التقليدية من جانب آخر؛ فقد شهدت الساحة السعودية خلال العقد الأخير اختلافات في الرأي والمواقف بين العلماء في شتى المواضيع.

كان أيضاً للصحوة تأثير كبير في تصدع سلطة الفتوى الموحدة سلفاً من قبل المفتي العام؛ فقد انتشرت الفتاوي، وصار لكل عالم وشيخ رأي وفتوى.. أيضاً توقفت هذه السلطة من إنتاج المعرفة؛ مما أدى إلى انحسار تأثيرها على الناس، وهذا - حسب رأيي - هو العامل الأهم.. كذلك لا يمكن على الإطلاق أن نغفل سبباً آخر، وهو انحسار الدعم المالي للسلطة الدينية، ومحاصرة طرق تحصيلها للمال من خلال الاتحاد العالمي لمحاربة الإرهاب.

يقول أحد المفكرين الغربيين: (يجب أن نقبل بأن السلطة تنتج المعرفة، وبأن السلطة والمعرفة تحتوي بعضهما بعضاً، وبأنّه ليس هناك علاقة سلطة بدون أن يكون هناك أساس توافقي مع حقل المعرفة).. هذه المقولة الفكرية قد تتفق مع مبدأ التجديد في أمر الدين (إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لأمتي أمر دينها، ينفون عنه انتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين).



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6871 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد