برحيل الخلوق جداً (ميزر أمان).. فقدت الحركة الرياضية بالمنطقة الوسطى - قبل أيام قلائل - واحداً من أبنائها الأوفياء، ممن عاصروا وعايشوا أبرز الأحداث والتحولات للمسيرة النصراوية في حقبة السبعينيات الهجرية من القرن الفائت.. وبالتأكيد كثير من جيل اليوم لا يعرفون هذا النجم الذي ذاع صيته وتألق مع نجوم الرعيل الأول.. فهو - رحمه الله - كان ينتمي لفصيلة جيل الحركة التأسيسية في تلك الأيام الخوالي وشهد مرحلة البناء النصراوي وهو في مهده.
* كان يُعد أحد النماذج الرياضية الرائعة التي أنجبتها (رياضة الوسطى) ممن نجحوا خلال مشوارهم مع الفريق الأصفر الذي امتد لأكثر من (10 أعوام) في رسم صورة مثالية عن ذاته في ميدان المنافسة لتميزه من الناحية الفنية والسلوكية التي منحته خاصية احترام الجميع له، ولا غرو من ذلك فالفقيد الذي خدم قطاع التربية والتعليم أكثر من (35 عاماً) كان يُعد أول لاعب بالمنطقة الوسطى يحصل على درجة الماجستير في (علم النفس الاجتماعي) من أعرق الجامعات الأمريكية في التسعينيات الهجرية، فكان لهذا التخصص العلمي الرفيع، دور في اكتسائه ثوب الأدب والخلق العالي، إذ لم يزده هذا (العلم الأكاديمي) إلا ثقافة في التعامل والتواضع مع الصغير قبل الكبير.
* عرفته (رحمه الله) قبل ما ينيف عن عشرة أعوام ووجدته نموذجاً أشبه بواحة يستظل بها الناس بخلقه العالي، وطيبته المتناهية ونقاوة قلبه وأريحيته التي جُبل عليها، كان (رحمه الله) صاحب مبادرات إنسانية سبّاقة وتحديداً في مضمار الزيارات المتواصلة مع زملائه اللاعبين والتواصل معهم خصوصاً ممن أقعدهم المرض وأضحوا أسرى للسرير الأبيض فمن المواقف التي تجسد ذلك، حين أُجريت عملية استئصال لقدم قائد النصر الأول (سعد الجوهر) في المستشفى العسكري بالرياض قبل أكثر من خمسة أعوام، وما تمخض عن هذه العملية الصعبة من إفرازات نفسية عانى منها (جمجمة النصر الذهبية) كثيراً، تصدى لهذه المهمة النفساني الاجتماعي (ميزر أمان) الذي كان يتواجد يومياً ويحرص على رفع معدل الحالة المعنوية والنفسية لرفيق دربه - سعد الجوهر - وهو أسير لسرير المرض.. بعد إجراء عملية البتر، سألته عن سر هذه الزيارات المتواصلة أجاب: ديننا الحنيف دين تكافل وتعاظم، يحثنا على زيارة المرضى، و(سعد ومن هم على شاكلته) بحاجة للوقوف معهم في هذه المرحلة وهو يصارع آهاته ووناته ويحتاج لتهيئة نفسية مكثفة حتى يتكيف مع وضعه الصحي بعد خروجه - إن شاء الله - من المستشفى، لقد ضرب الفقيد أروع الأمثلة في الوفاء والنبل والشهامة مع رفقاء الدرب ومساندتهم في أحلك ظروفهم وهو يمارس تخصصه - الأكاديمي - مع من يرى أنه بحاجة للمساعدة في كل الأحوال، كان (رحمه الله) صاحب طموح واسع وآمال عريضة في تتويج مسيرته التعليمية وتدعيم تحصيله العلمي بنيل درجة الدكتوراه في ذات التخصص ومن ذات الجامعة (مينوسوتا الأمريكية) بَيْد أن وفاة والده عجَّلت بعودته لأرض الوطن بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمه الكبير.. ليتوقف عند محطة الماجستير بكل فخر واعتزاز.
* ميزر أمان لم يكن فقط رياضياً ونفسانياً واجتماعياً.. بل كان رجل تربية وتعليم ونموذجاً مضيئاً في عدة اتجاهات ويكفي شهادة رمز النصر الراحل الأمير عبد الرحمن بن سعود (رحمه الله) الذي كان يضرب به المثل في الخلق والانضباط والتضحيات أكسبته صفة التميز في هذه الاتجاهات السلوكية، يقول حارس النصر في الثمانينيات الهجرية (محمد بن نفيسة): كان الفقيد كثيراً ما يضفي داخل المعسكرات النصراوية جواً من المرح والسرور في النفوس نظراً لأسلوبه الفكاهي الذي ارتبط باسمه داخل البيت الأصفر.. ويقول أيضاً قائد الرعيل الأول النصراوي سعود العفتان الشهير ب(أبو حيدر) عن الفقيد: كان اللاعب الوحيد في زمانه الذي اتفق النصراويون - إدارة ولاعبين - على محبته لدماثة خلقه وتعامله الرفيع مع الآخرين.
* هكذا كان النفساني.. التربوي.. الرياضي.. ميزر أمان الذي جمع أبرز السمات الإنسانية والسلوكية والاجتماعية والرياضية في ذاته مشكِّلاً نموذجاً رائعاً في شخصيته الفذة، وبرحيل هذا النجم المضيء أدباً وخلقاً وتواضعاً عن هذه الحياة الفانية، تفقد رياضة الوسطى واحداً من الأسماء الذين خلدوا ذكراهم في صفحات التاريخ الرياضي كأول لاعب بالمنطقة الوسطى إن لم يكن بالمملكة يحصل على درجة الماجستير في علم النفس الاجتماعي، وقد ترك لنا سيرة نيرة وسمعة طيبة تغمده الله بواسع رحمته.
K-aldous@hotmail.com