من المؤسف ما نسمعه ونقرأه في هذه الأيام من خطط إجرامية كبيرة عظيمة يندى لها الجبين ويحزن لها الجنين وفي الحقيقة كانت بدايات هذه الخطط من قبل سنوات كبدايات صغيرة تافهة لا تأخذ مننا إلا قليل من جل وقتنا وجرم صغير من اهتمامنا ولا نشعر بها، ولكن في الآونة الأخيرة في هذه الأيام أصبحت قضية عظيمة كبيرة تقلق ذا اللب الحليم وذا النفس الرزينة، حتى تكاد تطبق أنفاسنا وترهق أكبادنا وتزهق ألبابنا.
كنا قبل سنوات ليست بالبعيدة كما يتصور، ليست بخمسين سنة ولا أربعين سنة، ولا بعشرين سنة أيضاً، بل سنوات قريبة جدا ما يقارب الأربع إلى سبع سنوات، كذا نسمع بما لم نسمع به الآن من تمادي في الإجرام والتهريب، وغالب ما كنا نسمعه سابقا بأن متوسط ما كانت تحويه عمليات التهريب من مخدرات تقريباً خمسين إلى سبعين ونيف حبة كبتاجون وقليل من جرامات الحشيش وأشياء معدودة من زجاجات الخمور فما لبث الزمان ثمة ساعة إلا وكان المخدرات يحتاج إليها حاجات ضرورية لكل فرد وعائلته فأصبحت وكأنها احتياجات ضرورية للعلاج أو عبارة عن مجموعات لذيذة من الحلوة أو أنواع من الفاكهة والخضرة!
فالواردات علينا من المخدرات تغيرت بشكل كبير ملحوظ إلى الأسوأ فازدادت نسب الواردات كما أسلفت إحدى الجرائد بأنه قد تم إحباط عملية تهريب تحوي سبعة عشرة ملايين حبة كبتاجون أو غيرها من آلاف الكيلوجرامات من الحشيش وآلاف الصناديق من زجاجات الخمور لا حول ولا قوة إلا بالله.
فالأمر ليس بالسهل اللين ولا بالصغير الهيّن لابد أن نأخذ الأمر بعين الجد والصواب ونحمله على روح المبادرة من جميع السبل لتلافي تضخم هذه القضية.
فهذا مما لا شك فيه يُعد مخطط تدميرا تدريجيا مرسوما رسمة محنكة، فما لبثت الأيام حتى أصبح ورود المخدرات علينا تفوق الأيام السابقة بالألف الألف النسب المئوية!
إذا ماذا سيحدث لو تصورنا الأمر بعد عشرين سنة أخرى؟! هل سيباع الحشيش في البقالات والأسواق التجارية كالدخان بالنسبة لسيرة الدخان المعروفة وهل ستباع حبوب الكبتاجون في الصيدليات كذلك خاصة إذا افترضنا نظرية كثرة المساس تزيل الإحساس أم ماذا؟! فالأمر يحتاج لتكاتف وتعاون جميع أجزاء المجتمع ولبناته ليأخذوا أماكنهم واستعداداتهم للتصدي لموجة هذا الهجوم الكاسح والاحتراز من أضراره.
آه.. كم أتألم إذا علمت بأن جمع من فلذات أكبادنا يذهبون ضحايا هذا الهجوم العدواني، وأحببت أن أضيف إلى جانب كلمة ضحايا جملة يتوجب أن تلازمها في بعض الحالات ألا وهي التضحيات بالضحايا إنْ صحت العبارة، صحيح أن الهادي هو الله لكن يتوجب فعل الأسباب الداعية للمبتغى، فيلزم على ولي الأبناء والقائمين على عوائلهم وأهل القوامة والأمانة ألا يحتاجوا لأن يقال لهم احذروا الفساد لأبنائكم حافظوا عليهم من أصحاب السوء تابعوهم لا تلقونهم في أحضان الشوارع لا تجعلونهم متلق للفضائيات الفاسدة بكل ما تحمله من تقاليد وعادات لا تلائم مجتمعاتنا لاسيما ديننا الحنيف، لابد أن تكون الأسرة لبنة بناء ومحط نماء للمجتمع لا آلة هدم وتخريب بما تخرج بتقصيرها مجرمين مفسدين هم كمعول الهدم أقرب من غيره.
فإذا لابد أن نتكاتف ونتناصح بما يفيدنا ويرجع علينا بالصلاح في ديننا ودنيانا، ولأجل حل هذه المشكلة الكؤود والعقبة الصعود يتوجب أن نبدأ بالتعرف على جوانب المشكلة، فلابد أن نحدد ونعرف المشكلة ومن أين أتت ومتى بدأت وما هي عوامل تطورها وما هي الأسباب التي تنميها وكيف ستنتهي وكيف ننهيه ومن ثم نرسم الخطة ثم نطبقها مستعينين بالله.
ولو أردت أن اقترح خطط مرسومة لهذه المشكلة لطال المقام ولكن سأضع رؤوس أساسية وأعمدة ضرورية لأي خطة مقترحة لحل هذه المشكلة، وتتمثل هذه الأساسات وتدور حول ثلاث محاور، أولها في الأكدية المحور الأول: المجتمع الأسري بما فيه الوالدين والإخوان والأقارب ونحوهم، والمحور الثاني من الممكن أن أسميه البيئة الأخرى لأن هذا المحور أعم وأشمل بشكل أكبر فيدخل فيه علاقات المعني وميولاته وثقافته وتعليمه ونشاطاته وفي أي بلد كان يقطن وغيرها كثير، المحور الثالث موجه إلى الجهات المعنية وما يتوجب عليها من أمور لا تقل أهمية عن سابقيها.
فلكل محور من هذه المحاور له قدرته وإمكانياته وصلاحياته في تغير ما يراد تغيره وإحداث ما يراد إحداثه.
ففي نهاية كلامي أسوق بشرى لكم فالله سبحانه وتعالى وعدنا فقال {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} فاستعينوا بالله في جميع أموركم ومطالبكم وحوائجكم متكلين إليه بصدق وإخلاص آخذين بالأسباب فما التجأ إليه أحدا صادقا طامعا بقلبه ومنه وإليه راجيا خائفا ثم خذله سبحانه.
وأخيراً لا آخراً أجزل الشكر لكل من أسهم في إحباط هذه الخطط الهدامة سواء من فرد أو جماعة، فقد قاموا بجهود عظيمة كبيرة يشكرون عليها ويستحقون الثناء والرفعة والإثابة وصالح الدعاء.
الرياض