فإن مما هو معلوم ضرورة أن كتاب الله تعالى فيه سعادة الأمة وعزها ومن سار على منهج القرآن الكريم هداه الله تعالى إلى سبل السلام، وأخرجه من الظلمات إلى النور، قال الله تعالى: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، وقد سعدت هذه الأمة بالقرآن العزيز وعزّ شأنها وارتفعت به من الحضيض إلى القمة ومن التفرق إلى الوحدة ومن المهانة إلى العزة، وإذا رغبت الأمة في العصر الحاضر في العودة إلى عزها ومجدها فما عليها إلا أن ترجع إلى كتاب الله الخالد؛ ليسمو بها إلى الدرجات العالية في الدارين.
ولا شك أن كتاب الله تعالى تفرد بخصائص فريدة عديدة منها أن هذا الكتاب العظيم وحي من الله تعالى الذي هو أعلم بشؤون عباده، وما يصلحهم لدنياهم وأخراهم، يحقق لهم السعادة والرشاد والهداية، وقد قال سبحانه وتعالى: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}
قال الشيخ ابن سعدي - رحمه الله -: (أي شرفكم وعزكم وارتفاعكم إن تذكرتم به ما فيه من الأخبار الصادقة فاعتقدتموها وامتثلتم ما فيه من الأوامر واجتنبتم ما فيه من النواهي وارتفاع قدركم وعظم أمركم) أ. هـ. والقرآن الكريم يدعو الأمة إلى السعي لتحصيل الحياة المطمئنة الكريمة على الأرض قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}، وحث القرآن الكريم على العمل ودعا إليه فقال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، وقد دعا القرآن الكريم إلى إعمال العقل والتفكير في خلق الله تعالى وما أودع من أسرار ومنافع وذلك من أجل الاستفادة من طاقاته في بناء الحياة المزدهرة للأمة، قال سبحانه: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ، وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، والآيات الدالة على العلم ومشتقاته في القرآن الكريم قرابة (870) آية.
مما يؤكد على أهمية العلم ومكانته ودوره الجلي في عز الأمة وسعادتها في الدارين، وإن من أهم مقومات عز الأمة أن تكون أمة مستقرة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وكل هذه العوامل جاء الحث على تحصيلها في كتاب الله تعالى، أما من الناحية الاجتماعية فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}
وأما من الناحية الاقتصادية فاقرأ الآيات الواردة في تأويل يوسف النبي عليه السلام لرؤيا ملك زمانه قال تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ، قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ}، وكذلك الآيات الواردة في الحث على الصناعة والإنتاج لكي تستغني الأمة عن غيرها، قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ}، وأما من الناحية السياسية فقد جاءت الآيات الدالة على الوحدة وعدم التفرق وطاعة أولي الأمر، ومن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}، وهكذا فإن كتاب الله تعالى ضمن الخيرات والسعادة الأبدية وعدم الضلال والشقاء ممن اتبع هداه وسار بهديه.
اللهم اجعلنا من أهل القرآن، وأجعل كتابك الكريم شفاء لنا من كل داء وشفيعاً لنا يوم الدين، واجعلنا ممن تعلم القرآن وعلمه.
* باحث شرعي برئاسة الإفتاء