بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فقد أمر الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالتثبت فيما يسمعونه وينقلونه من أخبار، مخافة أن يكون كذباً واختلاقاً، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة.
ذلك أن الناس يتفاوتون في الصدق والأمانة فيما يتناقلونه من أخبار وروايات (وما آفة الأخبار إلا رواتها) فتراهم يسألون عن مصدر الخبر، وعن حال الناقل وصدقه وديانته، وهذا إذا كان الخبر مما رآه الراوي وشاهده بعينه فكيف إذا كان مما لا يدري هو عن حال مصدره وحقيقته؟
وإذا كانت الأخبار متعلقة بسمعة الناس وأعراضهم زاد الأمر أهمية وخطورة، وقد أسس المحدثون قوانين الرواية لحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب والخلل، وبيّنوا سبل نقده، وتمييز صحيحه من سقيمه مما لم تعرفه الأمم السابقة، فلنا فيهم أسوة وقدوة حتى لا نظلم أحداً من الناس أو نصفه بما ليس فيه من صفات السوء.
وعلى الناس عموماً أن يتأكدوا مما يسمعونه من أخبار، فلا ينقلون من أخبار أو يتحدثون بقصص إلا بما وثقوا بصدقه وتأكدوا منه، فإذا كان من نُقلتْ عنه أخبار السوء ممن عُرف بدينه واستقامته، ولم يثبت عنه قبل ذلك ما يشينه أو يؤثر في سمعته وسيرته، مثل ولاة الأمر، وأهل الخير من الدعاة والمحتسبين، ورجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لم يقبل القدح فيهم إلا ببينة ثابتة، فإن الطعن في هؤلاء أو فيمن ولاّه الله أمراً من أمور المسلمين، أميراً كان أو مسؤولاً أو داعية أو محتسباً، والقدح في أعراضهم بما ليس فيهم، وغيبتهم كل ذلك مما لا يليق بمسلم يخاف الله تعالى ويرجو اليوم الآخر، ويُعد ذلك من الكذب والتخرص وقول الزور الذي نهى الله تعالى عنه، كما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا استبيحت أعراض أهل الفضل والتقى، وأصبحوا موضع سخرية، ومحل تنقُّصٍ، ورُموا بما ليس فيهم فكيف بحال بقية الناس وعامتهم؟!
إن تقوى الله تعالى تلزمك أن لا تتكلم إلا بما تراه حقاً وعدلاً، وإلا كنت مشاركاً في الإثم، وقادحاً في عرض ذلك الذي نقلت الأخبار الكاذبة، عنه، وأشعت عنه قصصاً باطلة أنت تعرف كذبها وزيفها.
وهذا الأمر ليس خاصاً بعرض أناس دون آخرين، بل يشمل الناس -كل الناس-، فليس لك أن تنقل أو تنشر من الأخبار إلا ما ظهر لك صحته، وثبت عدالة ناقله وصدقه، فأعراض الناس حرام كحرمة أموالهم ودمائهم ولا فرق، فكما أنه لا يجوز لك أن تسرق مال آخر أو تهرق دمه فكذلك عرضه وسمعته وشرفه حرامٌ عليك هو الآخر أن تطعن فيه، ولا تقل: سمعت هذا من الناس ولا أدري عن صحته، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع).
فعليك أخي المسلم أن تحفظ لسانك وقلمك عن الكلام في أعراض الناس، واعلم أن من تكلم في أعراض الناس بحق تكلم الناس في عرضه بالباطل كما قال أحد السلف رحمه الله تعالى.
* رئيس وحدة البحوث في كلية أصول الدين بالرياض ورئيس قسم السنة وعلومها سابقاً.