«الجزيرة» - خاص:
تشهد الأمة الإسلامية تحديات كثيرة، وتتعرض ككيان أممي، وككيان سياسي واجتماعي لهجوم متواصل من أعداء الإسلام على مقدسات المسلمين، وعلى شعائر الله - جل وعلا - وعلى نبيها صلى الله عليه وسلم، وعلى دستورها القرآن الكريم، مع استخدام مختلف وسائل الإعلام والاتصال لصد المسلمين عن دينهم، ما العمل المناط بعلماء الأمة ودعاتها، وأبنائها من أهل القرآن الكريم، وحفظته في الدفاع عن كتاب الله، والذود عن العقيدة الإسلامية الصحيحة؟ وكيف تتعاطى الأمة الإسلامية بعلمائها وبحملة كتاب الله مع الهجمة الشرسة التي يتعرض لها في مناهجها التعليمية سواء من أعداء الإسلام، أو مع من يدور في فلكهم من أبناء الإسلام؟
الأسلوب العلمي
بداية يؤكد الدكتور حسن عزوزي، رئيس مركز الدراسات والأبحاث في مجال تصحيح صورة الإسلام بمدينة فاس بالمغرب أن دفاع علماء الأمة عن كتاب الله تعالى وما يتعرض له من تشويه وتحريف يتجلى أولا في رصد ومتابعة كل ما يقال ويكتب وينشر عن القرآن الكريم من طرف أعداء الإسلام من مبشرين ومستشرقين وإعلاميين، وأقول إن القراءة الأولى للتهجم على القرآن كانت من طرف المبشرين والصليبيين إبان القرون الوسطى، والمرحلة الثانية كانت مرحلة الاستشراق التي نضجت خلالها آلاف من الكتب الاستشراقية التي تهجمت على القرآن الكريم من حيث مصدره وموثوقيته ومضمونه، وكذا تشويه صورته من خلال الترجمات القرآنية المحرفة، أما المرحلة الثالثة فهي التي نشهدها اليوم وهي المرحلة الإعلامية حيث انبرى الإعلام الغربي بكل مكوناته المكتوبة والمقروءة والمسموعة وحتى الكاريكاتير إلى العمل على الحط من قيمة القرآن ومكانته في النفوس.
بعد الرصد والمتابعة ينبغي على علماء الأمة أن ينهجوا في ردهم ودفاعهم مختلف السبل والآليات التي من شأنها أن تبين حقائق القرآن الناصعة وأحكامه السامية مع الرد على الطعون والافتراءات بالأسلوب العلمي الهادئ البعيد عن كل انفعال أو تشنج وهذا الدفاع ينبغي أن يوجه إلى المعاقل الغربية العلمية والإعلامية والثقافية بمختلف اللغات إذ لا جدوى أن نتناقل فيما بيننا معشر المسلمين ردوداً عن أعداء القرآن دون أن تبلغهم، فلا جدوى من عمل دفاعي لا يحقق المراد والمقصود.
وأضاف د. عزوزي إن أعداد الإسلام ومن يتلقفهم لفهم ممن ينتسبون إلى ديننا واعون بأهمية المناهج التعليمية في تغيير الأفكار وبناء الأمة ولذلك وجهوا سهامهم على المناهج التعليمية في كثير من الدول الإسلامية على اعتبار أنها بحكم أساسها الإسلامي كفيلة بأن تحافظ على التوجه الإسلامي للناشئة الذين هم مستقبل الأمة، لذلك فقد سعوا ولا يزالون إلى الدعوة إلى تغيير المناهج التعليمية بما يتلاءم والفكر العلماني من جهة وبما ينسجم مع التخلي على بعض المبادئ والمسلمات التي يؤمن بها المسلمون ويعتبرونها من الأركان الأساسية في الشريعة الإسلامية، ولاشك أن وراء مثل هذه الدعوات أيادي خفية تسعى إلى علمنة العملية التربوية والتعليمية في بعض البلدان الإسلامية التي استعصى أمر تطويعها لذلك.
أمام هذا الواقع لا يملك علماء الأمة ومفكروها وحماة التوجه الإسلامي في البناء التربوي والتعليمي للأمة؛ إلا أن ينددوا أولاً بتلك المحاولات اليائسة ثم العمل على فضح ذلك أمام الحكومات والوزارات والهيئات العلمية المسؤولة، كما أن العمل على تعزيز وتوطيد أسس التعليم الإسلامي كفيل بأن يقوي من التوجه الإسلامي في التعليم المراد الحفاظ عليه وصد كل محاولات تمييعية أو تغريبية.
القصور في الإبلاغ
ويطالب الدكتور عبدالغني أكوريدي عبدالحميد مؤسس مركز الاستقامة الإسلامي ومدير مدارسه والأستاذ بجامعة الحكمة في إلورن بنيجيريا علماء هذه الأمة وطلبة العلم القيام بالدعوة المكثفة إلى الله، بأساليب شرعية متنوعة مشوفة وباستثمار وسائل الإعلام الحديثة المختلفة، لأن القصور عن الإبلاغ بالدعوة مسؤول عن جهل أبناء الإسلام للإسلام الصحيح، فالإنسان عدو ما جهل، ولا يترك هؤلاء العلماء العاملون اليقظون دعوة الحق للجاهلين الغالين القانصين المحترفين، إذا قام حفظة كتاب الله بدورهم الحقيقي فهم بذلك قد دافعوا عن كتاب الله، وقد ذادوا عن نبي هذه الأمة وعن مقدسات المسلمين وعن العقيدة الغراء.
وقال د. عبدالغني: إنه لتتبين للأمة الإسلامية أمور فحواها أننا نعيش في عصر تصبح الأمة تابعة للأعداء ومستوردة لمناهجهم سواء في مناهجها التعليمية أو في غيرها، لقد كان الحكم بين المسلمين في السابق من الزمان للشريعة، ولم تجرؤ الأمة على استبدالها إلا في هذا العصر، فعلى علمائنا المعاصرين بصفة خاصة حملة القرآن الكريم أن يكونوا أهل العزائم العالية دون الهابطة، وأهل القلوب الحرة لا القلوب الواجفة، وأهل طلاب الآخرة والجادين لا المخلطين ولا الهازلين، على الأمة الإسلامية بناء مناهج تعليمهم على هداية القرآن الكريم وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم-، فإن لم تفعل فإيمان بلا عمل، فنقرأ في القرآن الكريم عطف العمل الصالح على الإيمان في أكثر من خمسين موضعاً، مع أن الإيمان يدخل فيه العمل الصالح، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وستون شعبة، فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان). (رواه البخاري ومسلم). وهذا كله تأكيد على قيمة العمل وأهميته، والإيمان حين لا يصاحبه عمل يصبح دعوى فارغة يعاب الإنسان عليها {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} سورة الحجرات 14-15).
مؤكداً أن الشباب المسلم يواجه في هذا الزمان تياراً جارفاً من الفتن والصوارف عن دين الله عز وجل: فتن الشبهات التي تشككه في دينه وعقيدته، وفتن الشهوات المحرمة التي قد تقوده إلى الويلات، يصبح الشاب والفتاة ويمسيان والصورة المغرية والمشهد الساقط تلاحقهم في الشارع وعلى الشاشة وفي المجلات والأسواق، وحتى على مقاعد الدراسة في المدارس المختلفة.
إن العزم الجاد للعودة إلى تطبيق هدايا القرآن الكريم وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم ما يعين على تنشئة الشباب الذي يخاف الله عز وجل ويرهب المعصية ويحمل قوة الإيمان مع قوة الإرادة والعزيمة في مواجهة الفتن والانتصار عليها.
وحدة المسلمين
أما فضيلة المفتي العام وإمام الجامع الكبير بموريتانيا الشيخ أحمد المرابط فقال: إن ما تواجهه الأمة الإسلامية من تحديات على مختلف الأصعدة، لا ملجأ لها ولا منجي لها من خطر تلك التحديات إلا بالرجوع إلى الله تعالى بامتثال أمره تعالى بالاعتصام بحبله، وبتوحد الأمة الإسلامية وتكتل جهودها حتى تكون في توادها وتراحمها وتعاطفها كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وباجتناب ما نهى عنه من اتباع خطوات الشيطان، وتضييع الأمانة والتنازع والتفرق.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}وقال تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.