د. حسن الشقطي *
أغلق سوق الأسهم المحلية هذا الأسبوع عند 8451 نقطة خاسراً حوالي 290 نقطة على ضوء حالة الاضطراب وفقدان الثقة التي يمر بها منذ أربعة أسابيع تقريباً، والتي دخلت مرحلة جديدة هذا الأسبوع بهبوط مستوى السيولة اليومية المتداولة عن مستوى الأربعة مليارات ريال، وهو مستوى غير معهود حتى في أسوأ مراحل تصحيح المؤشر في عام 2006.. ومن جانب آخر ورغم هذا الانهيار في السيولة فلا تزال تحيط بسوق الأسهم العديد من التكهنات السلبية نتيجة اقتراب موعد تطبيق بعض القرارات الجديدة والمصيرية والتي تتمثل في نشر قوائم كبار الملاك في الشركات المدرجة، وتوقع قرب تطبيق التعديلات المعلنة على وحدة تغير السعر الحالية.. بل يزداد الأمر حرجاً نتيجة وجود توقعات قوية بصدور قرار التجزئة الجديد إلى وحدة الريال أو التحول إلى نظام الهللات.. ورغم طول فترة المسار الهابط ورغم الخسائر الكبيرة التي وصلت خلال الشهر الأخير فقط إلى ما يزيد عن ألف نقطة، لم يتمكن المؤشر من إحراز أي ارتداد حقيقي يتعدى به لتهدئة المتداولين والمخاوف الحقيقية المتولدة لهجرة السوق.
3.4 مليارات ريال.. مستوى قياسي جديد لهبوط السيولة المتداولة
تدريجياً كسرت السيولة المتداولة هذا الأسبوع مستوى الأربعة مليارات يوم الاثنين الماضي حتى وصلت إلى 3.6 مليارات ريال.. وجاء الأسوأ يوم الأربعاء حيث انحدرت السيولة اليومية إلى 3.4 مليارات ريال، وهو مستوى متدن جداً ويشير إلى أن الأمر قد تجاوز مجرد إجازة صيفية أو خروج لبعض المحافظ الكبيرة إلى وجود مبررات قوية لدى قطاع عريض من المستثمرين إما للخروج المؤقت أو الخروج النهائي.. ولعل اقتراب موعد نشر كبار الملاك يمكن أن يكون مبرراً لهذا الخروج القوي، وخاصة أنه مع كل أسبوع يقربنا أكثر من موعد هذا النشر في 16 أغسطس المقبل يشهد السوق تراجعاً أشد قسوة في السيولة المتداولة.. إن طبيعة المجتمع السعودي المتحفظ تثير مخاوف كبيرة لدى هؤلاء الملاك من فضح حصص رؤوس أموالهم في الشركات المدرجة.. بشكل يعلم الجميع معه أنه قد يفتح أبواباً واسعة للتساؤلات حول ضخامة رؤوس أموال بعض الملاك أو حول الأدوار التي يلعبونها في الاضطرابات السوقية لأسعار الشركات المالكين فيها.. بل إن الأمر سيصل إلى مداه عندما يحمل المتداولون هؤلاء الملاك المسئولية عن أي اضطراب جديد في أسعار هذه الشركات فيما بعد.
هل لا مفر فعلاً من حدوث مثل هذه الدورات القاسية في السوق من آن لآخر؟
من عادة أسواق الأسهم الصعود والهبوط وأيضاً من عادتها الاستجابة والتفاعل مع كافة المعطيات والمستجدات المحلية والعالمية.. وبالتالي فإنها تصنع دورات هبوط وصعود من آن لآخر.. وهذا مقبول، ولكن السوق المحلية باتت تصنع دورات صعود وهبوط تتصف بالقسوة نسبيا، ولا تخلو بضعة شهور منها.. فعند مقارنة المدى الذي تحرك فيه مؤشر ناسداك خلال 52 أسبوع نجده هو 2155 إلى 2862 نقطة تقريباً.. أما مدى المؤشر المحلي خلال نفس الفترة فقد تراوح بين 7633 إلى 11697 نقطة.. أكثر من ذلك فإن المدى الزمني لدورات المؤشر السعودي يعتبر قصيراً للغاية بشكل يمثل قسوة وخطورة على المتعاملين فيه.. لدرجة أن الثقة في السوق تصل إلى درجات متدنية من آن لآخر، بما يتسبب في هجرة شرائح كبيرة من المستثمرين إلى أسواق أخرى.
سابك.. ومسلسل الاضطراب المستمر منذ عامين
رغم أن سهم سابك يفترض أنه يمثل القائد للمؤشر ورغم أنه يفترض أن يكون الصورة المثلى لطبيعة الاستثمار في السوق المحلي.. بل إنه يفترض أن يمثل الاستقرار للمستثمرين فيه بطبيعة الثقل المالي للشركة.. رغم كل ذلك، فإن المتتبع لحياة السهم في السوق خلال السنوات الثلاث الأخيرة يلحظ اضطراباً شديداً ربما لم يصب أي من الأسهم الخاسرة الأخرى في السوق.. فقد بدأ السهم رحلة تصحيحه وانخفض من مستوى 249 ريالاً في فبراير 2006 حتى وصل إلى 79 ريالاً في يناير 2007.. ثم بدأ يرتد في مسار صعودي وصل فيه إلى 182 ريالاً في يناير 2008، إلا إنه انكسر من جديد في مسار هبوطي مستمر حتى وصل إلى 123 ريالاً حسب إغلاق الأربعاء الماضي.. وإذا قبلنا الاضطراب التصحيحي خلال عامي 2006 و2007، فإنه من غير المقبول هذا الاضطراب الذي يصيب السهم منذ يناير الماضي وحتى الآن.. ورغم أن عدداً من التقييمات قد صدرت وتوقعت لسعر السهم أن يجاوز الـ 200 ريال.. فمن المسئول عن ذلك؟ إن التفسير البسيط لما يحدث لسهم سابك يقود بشكل أو بآخر إلى أن أوضاع الملكية في السهم هي أوضاع مضطربة وغير سوية ويجري الآن تعديلها للتوافق وتحسين الصورة عند تطبيق النظام الجديد لنشر قوائم كبار الملاك.. فقد يكون هبوط سابك هو نتيجة طبيعية لعملية انسحاب وهجرة لنسب ملكية كبيرة في السهم نتيجة مساعي جميع كبار الملاك لتقليل نسبتهم عن النسبة التي يمكن أن تنشر معها أسماؤهم.
البحث وراء أسباب نسبة التداول الأقل في سوق الأسهم
رغم أن مساهمة كافة الشرائح (شركات وصناديق وعرب وخليجيين وأجانب) من غير الأفراد السعوديين في حركة الشراء والبيع في السوق لا تزال متدنية ولا تزيد عن 10% إجمالاً، إلا إن هناك نسبة مثيرة للتساؤل وهي نسبة تداول الأجانب غير العرب وغير الخليجيين والتي لا تزيد عن 0.1% وهي نسبة صغيرة جداً على عدد الأجانب المقيمين من هذه الشريحة.. فلماذا هذا الإقبال المتدني على الاستثمار في سوق الأسهم؟ هل لدى هذه الشريحة مفاهيم تختلف مع مفاهيم السوق المحلي؟ إن على هيئة السوق أن تبحث في الأسباب وراء هذه النسبة المتدنية لأن هذه الشريحة تحديداً تمثل الواقع الذي يمكن أن يواجه السوق حال انفتاحه الكامل على العالم الخارجي.
* محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com