Al Jazirah NewsPaper Friday  08/08/2008 G Issue 13098
الجمعة 07 شعبان 1429   العدد  13098

الشاعر الدكتور حسن جاد 1914-1995
د. محمد بن سعد الشويعر

 

كتاب تفضّل أخي الكريم الأستاذ الدكتور محمد بن عبد الرحمن الربيع بتزويدي به يحمل في طرته اسماً يستحقه المترجم له بجدارة: من أعلام الأدب العربي المعاصر، عني المؤلفان فيه: بالمختارات الشعرية لهذا الشاعر، ودراستها، حيث يقع في (74) صفحة من القطع المتوسط، صدر في طبعته الأولى بالقاهرة،،،،

عن هبة النيل العربية للنشر والتوزيع عام 2008م بالقاهرة لم يوضع في هذا الكتاب: مقدمة ولا خاتمة، ولا فهارس.

إلا أن صفحة حملت إهداء هذا نصه: إلى العالم الجليل الناقد الأدبي الكبير الأستاذ الدكتور محمد بن عبد الرحمن الربيع، وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (سابقاً) نهدي هذه المختارات المنتقاة من شعر د. حسن جاد تحية له، وتقديراً لوفائه وعطائه الإنساني النبيل، ودوره الحضاري في إثراء الثقافة العربية والإسلامية.

فالشاعر عرف المملكة العربية السعودية، مهد العروبة، وموطن المقدسات الإسلامية، التي ترنو إليها النفوس، وتتطلع إليها الأفئدة، وعرفه أبناؤها، عندما جاء معاراً لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض في عام 1960- 1961م.

وفاء متبادلاً، وتقديراً لمكانته وأدبه.. حيث كان أستاذاً في كلية اللغة العربية، فتركت تلك الفترة أثراً عميقاً في نفسه، استمر معه طوال عمره، ففي الرياض، عبر عن ذلك، بإحساس الشاعر المرهف، بقصيدته (نجد) التي تركت صدى كثيراً لدى طلابه، وغيرهم من العلماء، فتداولوها ورددوها، حيث تعتبر ملحمة تاريخية، وعدد أبياتها (91) بيتاً.

قال في مطلعها: هذه القصيدة قيلت في الرياض بنجد، حين كنت مبعوثاً إلى هناك عام 1960م.. ثم بدأها بقوله:

تلك الرياض وهذه نجد

الشعر والتاريخ والمجد

ماضي العروبة في مفاخرها

وعلى رباها رفرف الخلد

وأرومة الفصحى وقد درجت

في حجرها، وصفا لها الوِرد (يريد بحجرها: اسم الرياض قديماً حجر اليمامة)

شب البيان العبقري بها

فرعته وهي العبقر مهد

وعلى ثراها من مشارعه

هطل الحيا، وتفجر الصلد

ولا تجد طالباً ذلك الوقت إلا ويحفظها، فهي تستعرض تاريخ نجد والجزيرة من أيام الجاهلية، والتاريخ الإسلامي والمواقف وتاريخ الدرعية، ومسيرة الملك عبد العزيز - رحمه الله - لتوحيد البلاد، ولذا يجد القارئ نفسه الشعري طويلا.

وانطبعت لديه ذكريات عن الرياض وأهلها، وخاصة الطلبة الذين تتلمذوا عليه، إذ رسخت ذكرياته عنهم حتى آخر حياته: بالذكاء والجدية في طلب العلم، وعبر عن ذلك في حديثه أكثر من مرة، بأنه مع زملائه المدرسين يقضون جل وقتهم في القراءة والمذاكرة، كأنهم طلبة يستعدون للامتحان، ولما سألته عن السبب، قال: نحضر لإلقاء الدرس، لأننا أمام طلاب في مستوى المعلمين، لكثرة اطلاعهم، وعمق نقاشهم.

ولذا لما تعين عميداً لكلية اللغة بالأزهر، حرص على الإشراف في الدكتوراه على مجموعة من الطلاب، أذكر منهم بدون حصر، مع المعذرة لمن سها عليّ ذكره: الأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين، والأستاذ الدكتور محمد بن عبد الرحمن الربيع، والأستاذ د. عبد المحسن القحطاني، والأستاذ د. عبد الله عسيلان.. ولا شك أن كل من أشرف عليه، له معه ذكريات تنبئ عن إخلاصه وصدقه، وحرصه وأمانته، فأذكر موقفاً واحداً، ينبئ عن مكانة هذا الرجل، فقد اتصلت به راغباً مقابلته، وعرض ما توصلت إليه من رسالتي، التي كانت في مراحلها الأخيرة.. فوافق.

فجئته بعد العصر، فأخذها ليقرأها، ثم يناقشني فيما ظهر له كما هي عادته.. فلفت نظره أنني حصلت مخطوطة مهمة، في فصل، فقال: لقد هضمت نفسك ألا تعرف أن المخطوطة من أهم ما يجب على الطالب؟، ولو قلتها لي قبل الآن لكانت هي الموضوع.. أما وقد قطعت مرحلة كبيرة فعليك أن تلاحظ ما يلي: الفصل الذي فيه المخطوطة اجعله باباً بثلاثة فصول، وسماها لي والبقية حولها إلى فصول في باب آخر، ووجهني للتسميات، وأهمية إبراز المخطوطة.

فخرجت من عنده بعد أن صلينا العشاء، وفي سكني ومع مراجعي بدأت العمل، ولم أذق طعاماً ولا نوماً، حتى انتهيت مما قال لي.. فهاتفته في اليوم التالي لأعرض عليه ما وصلت إليه، فلما أطلعته وألقى نظرة على ما تم، قام ومعه الرسالة كاملة، وأخرج مفتاحاً لدولاب في سكنه، وأودع الرسالة كاملة، ورجع إليّ قائلاً: يا بني أنتم معاشر الأفواج الأول في الكلية، ترهقون أنفسكم.. ولذا اعتبر نفسك في إجازة لمدة نصف شهر تفسح وسافر في أطراف مصر وأرح نفسك ولا تضر بصحتك، فهذا عملته مع زملائك من قبلك رأفة بكم.. بعد ذلك تعال إليّ لتجدني قد قرأتها وهيأت التوجيهات وأقرأ ما شئت من الصحف وغيرها هذه الأيام.

وأخذت بمشورته، فأخذتها رحلات متوالية، وبعدما انتهت المدة هاتفته، فأذن لي بالحضور فإذا هو قد وافق لي بالطبع، ولما كان قد بقي على إكمال المدة الأقصر نظاماً، للطالب ليناقش 6 شهور، قال لي سأطلب الاستثناء عن هذه المدة، وقد تيسر مع فلان وفلان، وعدّ لي عدداً من السعوديين فتح المجال لهم بتقرير مني عن مستوياتهم ونشاطهم فستكون مثلهم.. والشيخ حسن - رحمه الله - شاعر مجيد، ففي عام 1987م أقيم مهرجان شعري كبير ضم شعراء مصر نساء ورجالاً، فنصبوه عميداً للأدب لكنه وبتواضعه، رأى نفسه دون المستوى والأهلية فتنازل، وقد كانت له مكانة في المحافل بمصر لأنه كريم وعفيف النفس، إذ في عام 1976م عين عضواً بلجنة الشعر، بالمجلس الأعلى للفنون والآداب.

وفي عام 1981م منحه الرئيس أنور السادات وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وفي الغلاف الخارجي لهذا الكتاب صورت البراءة بهذا الوسام بتاريخ 30 مارس 1981م.

وتقاعد في عام 1989م لكنه عين أستاذاًَ متفرغاً بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، إلا أنه بعد ذلك قرر الزواج في آخر عمره، لعل كابوس الحزن على ولده، الذي تغذيه بناته وزوجته، يخف عنه، فذهب للزقازيق، منتقلاً بعمله بفرع الأزهر، ومتأهلاً مع زوجته الأخيرة، تاركاً لبناته وزوجته بيته في السيدة زينب بالقاهرة، فارتاحت نفسيته قليلاً، وساعده على تخفيف الوطأة أن كان يقول: عوضني الله بطلاب أوفياء.

أما ابنه الوحيد محمد فقد اختطفته يد المنون في عام 1973م وهو يستعد لدخول الثانوية العامة، حيث شعر بفقده فقدان ما كان يؤمله في شيخوخته، فتأثر بذلك كثيراً، وظهر أثر ذلك على ارتسام الحزن عليه، ورصد ذلك شعراً في قصيدة تبلغ (98 بيتاً) طبعها في كتيب يطالع غلافها القراء بصورة ابنه هذا، ثم ألحقها بقصيدة أخرى، عنوانها (في مقبرة البساتين) وهي المقبرة التي دفن فيها ابنه تبلغ (43 بيتاً). بث فيها أحزانه وأشجانه وآلامه النفسية. وقال نثرا: عليك يا ولدي الوحيد، أسكب هذه العبرات الشعرية الحزينة، رثاء لك وتفجعاً عليك، ولوعة لمصابك، وحسرة على شبابك، وفيك يا بني الحبيب أبكي بالقصيد المعول، والقوافي النادية، وجودي الذي فرغ، ونوري الذي انطفأ، ومددي الذي انقطع وظلي الذي زال وأملي الذي ضاع ورجائي الذي خاب إلى آخر هذه المقدمة الحزينة.

فقصائده التي انطبقت مع حالته، تذكر بالخنساء وبكائها لأخيها صخر، وهي من غرر الشعر، وكان يوزعها على كل من زاره ومطلع تلك المرثية:

ودعت فيك صفاء العيش يا ولدي

يا طول همي ويا حزني ويا كمدي

لم يبق بعدك معنى للحياة، ولم

يعد بها أمل أحيا بعد لغد

من شاقه المال والجاه العريض فقد

عزفت عن جاهها أو مالها اللبد

وقد مات - رحمه الله - كفيفاً، لعله من أثر الحزن الطويل على ولده، وله عدة مؤلفات وداووين.

مما وقع بعد وفاة رسول الله

قال ابن كثير في تاريخه: ومن أعظم الأمور التي وقعت، وأجلها وأيمنها بركة على الإسلام وأهله، بيعة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وذلك لأنه - عليه الصلاة والسلام - لما مات كان الصديق قد صلى بالمسلمين صلاة الصبح، وكان إذ ذاك قد أفاق رسول الله، إفاقة من غمرة ما كان فيه من الوجع، وكشف ستر الحجرة، ونظر إلى المسلمين وهم صفوف في الصلاة خلف أبي بكر فأعجبه ذلك، وتبسم - صلوات الله وسلامه عليه - حتى هَمَّ المسلمون أن يتركوا ما هم فيه من الصلاة لفرحهم به، وحتى أراد أبو بكر أن يتأخر، ليصلي في الصف، فأشار إليهم أن يمكثوا كما هم وأرخى الستارة.

وكان آخر العهد به - عليه الصلاة والسلام - فلما انصرف أبو بكر - رضي الله عنه - من الصلاة، دخل عليه وقال لعائشة ما أرى رسول الله إلا وقد أقلع عنه الوجع، وهذا يوم بنت خارجه، يعني إحدى زوجتيه، وكانت ساكنة بالمنح شرقي المدينة.

فركب فرسه، وذهب إلى منزله، وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين اشتد الضحى من ذلك اليوم، وقيل عند زوال الشمس.. والله أعلم.

فلما مات واختلف الصحابة، فيما بينهم فمن قائل يقول: مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن قائل لم يمت حين بلغه الخبر، فدخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزله، وكشف الغطاء، عن وجهه الكريم، وقبله وتحقق أنه قد مات، ثم خرج إلى الناس، فخطبهم إلى جانب المنبر، وبين لهم وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما قدمنا وأزاح الجدل الذي وقع فيه الناس، وأزال الإشكال، - رضي الله عنه -.

ورجع الناس كلهم إليه، وبايعه في المسجد جماعة من الصحابة، ووقعت شبهة لبعض الأنصار، وقام في أذهان بعضهم جواز استخلاف: خليفة من الأنصار، وتوسط بعضهم بين أن يكون أمير من المهاجرين، وأمير من الأنصار، حتى بيّن لهم الصديق: أن الخلافة لا تكون إلا في قريش، فرجعوا إليه، وأجمعوا عليه، كما سنبينه وننبه عليه (البداية والنهاية 5: 244).

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5068 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد